الهند في عهد مودي .. قصة فشل

الهند في عهد مودي .. قصة فشل

08 مايو 2021
+ الخط -

يلقي اجتياح وباء كورونا الهند بظلاله على العالم، مع وصول السلالة الهندية الجديدة إلى 17 بلدا حتى كتابة هذه السطور. فيما كانت الآمال معلقة على أن يسهم البلد الصناعي الآسيوي الكبير بتوفير اللقاحات لمواطنيه، ولشعوب أخرى في العالم، غير أن تسارع انتشار الوباء فيه أدّى إلى انهيار النظام الصحي، وإخرج مجمل الوضع الصحي عن السيطرة، وذلك في عودة إلى المربع الأول في مطلع العام 2020، حين كان الوباء ينتشر كالنار في الهشيم في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وغرب أوروبا ومناطق أخرى. وحتى أواسط العام الماضي (2020)، كان يُنظر إلى الهند أنها تمكّنت نسبيا من صدّ الوباء، ومنعت انتشاره على نطاق واسع، وسط شعبها الذي يحتل المركز الثاني في عدد السكان على مستوى العالم: مليار و400 مليون نسمة، بعد الصين. وقد تغير الأمر بعدئذ باطراد، إذ أخذ رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، بسياسة الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، بفتح قطاعات الاقتصاد على نطاق واسع، كما تم استقبال ترامب في نيودلهي، فبراير/ شباط 2020، وسط حالة إنكار لمخاطر الوباء، وثقة مفرطة في التغلب السريع عليه. وإلى جانب ذلك، سمحت السلطات، بقيادة حزب بهاراتا جاناتا (الحاكم)، بتنظيم التجمعات الشعبية الانتخابية، وفتح تاج محل أمام الزوار، وإعادة تمكين المتدينين من إقامة الاحتفالات الدينية الحاشدة، مثل السماح بتنظيم مهرجان كومبه ميلا، وهو مهرجان ديني واسع يحضره الملايين، خلال الموجة الثانية.

المفارقة أن الهند تنتج أكبر حصيلة من العقاقير واللقاحات في العالم وهناك ضعف كبير يعتري بنية الرعاية الصحية فيها

وشهد النصف الثاني من العام الماضي تسارعا في انتشار الوباء، مع قدر قليل من السيطرة عليه. ومع ازدياد الآمال بإنتاج اللقاحات، حيث تمتلك الهند أكبر مصانع لإنتاجها. ولا يتعلق الأمر بالوباء المستجد فحسب، بل تُعرف الهند بأنها أبرز منتج للقاحات ضد الحصبة والتهاب السحايا وشلل الأطفال والالتهاب الرئوي والحصبة الألمانية والنكاف، وبطاقة إنتاج تبلغ 1,5 مليار جرعة سنويا. ويُعرف معهد الأمصال الهندي بأنه الأكبر على مستوى العالم في إنتاجها، ويتوفر على خبراتٍ تناهز نصف قرن في تطويرها وإنتاجها. وقد تولت شركات هندية كبيرة إنتاج اللقاحات ضد كوفيد 19 ببرامج هندية، أو برامج مشتركة مع دول أخرى، أبرزها الولايات المتحدة، حيث ينتظم البلدان في برامج أبحاث وتطوير وإنتاج منذ نحو ثلاثة عقود. وقد أمكن المعهد إنتاج لقاح كوفيشفيلد للداخل الهندي أساسا، كما خطط معهد الأمصال لتوفير مائتي مليون جرعة لبرنامج "كوفاكس" الذي وضعته منظمة الصحة العالمية من أجل توزيع اللقاح على الدول الفقيرة. وضمن ما يعرف بدبلوماسية اللقاحات، سعيا إلى مكانة عالمية، فيما كانت الأنظار تتطلع إلى تطعيم 300 مليون هندي، بما يعادل أكثر من 20% من السكان. غير أن الهند، وعلى الرغم من مكانتها في سلسلة التوريد العالمية للقاحات، وطاقتها العالية على الإنتاج، لم تقدم سوى أقل من 130 مليون جرعة حتى الآن، ولم تحصّن بالكامل سوى نحو 18 مليون شخص، وهو ما ما يعادل 1.4% من السكان.. هذا على الرغم من حظر تصدير بعض اللقاحات، ومنها لقاح ريميدسفير الأميركي، المنتج في الهند، إلى الخارج، وذلك بعد اتّباع سياسة التصدير أولاً للقاحات إلى الخارج.

اتبع الحزب الحاكم سياسة التقليل من خطر الجائحة، ومنح في البداية، ولفترة طويلة نسبيا، فرصة استمرار العمل أمام القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي زاد من تفشّي الوباء

تكمن المشكلة في ذلك التضارب بين أن الهند تنتج أكبر حصيلة من العقاقير واللقاحات في العالم والضعف الذي يعتري بنية الرعاية الصحية في هذا البلد. وذلك ابتداء من النقص في عدد الأطباء والممرضين إلى النقص في عدد الأسرّة، وعدد المستشفيات. هذا في الوقت الذي يخرج فيه آلاف الأطباء سنويا من الهند للعمل في الخارج. ويظهر النقص بصورة أكثر حدّة في المناطق الريفية، حيث تضاعف العجز في عدد الأطباء هناك خلال العقد الأخير، وحيث يتكدّس آلاف من المرضى، بانتظار معاينة بضعة أطباء لهم. ونتيجة للضغط الذي يتعرّض له الأطباء، فإنهم يمنحون ما معدله دقيقتان لفحص كل مريض، وهذا أقل وقت متاح لفحص المرضى في العالم. ومع الزمن، أصبح منح الدقيقتين عُرفاً ونمط عمل سائد لدى الأطباء، وقَدَراً لدى المرضى المغلوبين على أمرهم.

وقد جاءت الموجة الثالثة، متمثلة بالسلالة المتحورة للوباء، لتكشف ضعف البنية التحتية الصحية، وعدم الاستعداد الكافي للتعامل مع المستجدّات، علاوة على التفاوتات الاجتماعية المريعة والنبذ الطبقي لشريحةٍ، مثل الداليت، مع وجود نحو مائتي مليون من هؤلاء المنبوذين الذين يقعون في أسفل الترتيب للهندوس، وحيث التمييز ضدهم يوصف بأنه عملة سائدة، مثل الروبية، الأمر الذي نشر، في المحصلة، أجواء كابوسية في الفضاء العام، إذ انتشرت المحارق في شوارع المدن، ومعها أسرّة المرضى، وسط ذعر الأهالي على ذويهم الذين يموتون بين أيديهم، بعد أن ضاقت المستشفيات الميدانية عن استقبالهم. وبعد النقص الفادح في أنابيب الأوكسجين في البلد الصناعي الكبير الذي سبق النمور الآسيوية في تطوره الصناعي والعلمي، ولكنه سرعان ما تخلّف عنها، وخصوصا مع ضعف الرعاية الاجتماعية.

القيادة الشعبوية سلبت ما يميّز الدستور الهندي من مزايا متقدّمة، نتيجة النفخ في التعصب القومي والديني

لقد اتبع الحزب الحاكم سياسة التقليل من خطر الجائحة، ومنح في البداية، ولفترة طويلة نسبيا، فرصة استمرار العمل أمام القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي زاد من تفشّي الوباء، ثم أخذ الحزب الحاكم بسياسة إغلاق مفاجئة، أدّت إلى إغلاق ما لا يُحصى من الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وقذفت الملايين إلى الشوارع مع فقدانهم وظائفهم. وقد تزامن ذلك مع استمرار حكم حزب بهاراتا جاناتا في بث التمييز الديني ضد المسلمين وضد طائفة الداليت، والتحضير الدائم لانتخابات الولايات، وما يتطلبه ذلك من "تعبئة" واجتماعات وتحشيد، ما جعل البلاد مسرحا لصراع الهويات وسياسة الاستئثار والإقصاء، وتهتيك النسيج الاجتماعي، في بلدٍ كان يوصف بأنه أعرق ديمقراطيات آسيا.

يشير الباحث الهندي، شاشي ثارور، وهو وزير سابق للشؤون الخارجية ولتنمية الموارد البشرية، ونائب حالي في البرلمان، في مقال ترجمه موقع عرب 48 إلى أنه: "في خطاب أذاعه التلفزيون الوطني، فقد حثّ رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، الهنود على قرع الصحون. وبعد أسبوعين، أمرهم بإضاءة المصابيح في لحظةٍ بعينها. وبهذا، حلّت الخرافات محل السياسات القائمة على العِلم في مواجهة الجائحة، كما جنّد مودي القومية الهندوسية في الحرب ضد كوفيد – 19، فتماما كما تحقق النصر في حرب ماهابهاراتا الملحمية في 18 يوما، كما زعم، تستطيع الهند تحقيق النصر في حربها ضد فيروس كورونا في 21 يوما".

ومن المفارقات أن الأحوال في دول شبه القارّة الهندية، باكستان وبنغلادش ونيبال، في الجوار، ظلت أقل سوءا مما هي عليه الجارة الكبيرة، طوال فترة انتشار الوباء، على الرغم مما تعانيه هذه الدول من مشكلاتٍ بنيوية. والثابت أن الهند لم تعد في زمن حكم بهاراتا جاناتا مصدرا للإلهام والإشعاع في أرجاء آسيا وفي العالم، فالقيادة الشعبوية هناك سلبت ما يميّز الدستور الهندي من مزايا متقدّمة، وذلك نتيجة النفخ في التعصب القومي والديني، والمسّ بحكم القانون، وضعف الشعور بالمسؤولية تجاه الفقراء والأقليات الدينية والعرقية، وتأليب مكوّنات المجتمع على بعضها بعضا.