04 نوفمبر 2024
النظام السوري... آشورياً
قال غسّان كنفاني، مرّة، إن الشيطان يجلس القرفصاء في العقل الإسرائيلي. ولا تزيّد في القول إنه يجلس، القرفصاء أيضاً، في عقل النظام السوري. من جديد الدلائل على هذه البديهية أن النظام المذكور فطن، فجأةً، لواجباته في إطار الاتفاقات الدولية مع "اليونسكو" المرتبطة بالتراث المادي، فأحيا عيد رأس السنة الآشوري (الأكيتو)، وأقام احتفالاتٍ ومهرجاناتٍ شعبيةً وغنائيةً، في اللاذقية مثلاً، بدءاً من يوم أول أبريل/ نيسان الجاري، يوم هذا العيد الذي كان محظوراً على السوريين الآشوريين (نحو 200 ألف) الاحتفال به، للدعاوى العروبية البعثية إيّاها. وربما في الوسع تمرير هذه الأزعومة، لو أن النظام السوري أوْلى اعتناءً، في غضون حربه المستمرّة على ثورة الشعب ضدّه، بالمساجد والكنائس والعمائر التراثية والتاريخية في سورية، ولم يستهدف مئاتٍ منها، ولو أن "اليونسكو" نفسها لم تُصدر عدة بياناتٍ تطالب فيها بحماية التراث الثقافي الغني في سورية، ولم تنشئ مرصداً مخصّصاً لمتابعة هذا الأمر.
ومن عجائب حكومة الجمهورية العربية السورية أنها، وهي تتذكّر عيد رعاياها الآشوريين، تتعامى عن مطلبهم الذي لم يسقُط لديهم بالتقادم، وهو نيلهم حقوقهم الثقافية المشروعة في دولة تعدديةٍ ديمقراطيةٍ على مبدأ المواطنة الحرّة. ولذلك، سارع كثيرون منهم، ورموزٌ قياديّةٌ من بينهم، إلى المشاركة في فعاليات الثورة منذ أسابيعها الأولى، فماثلتهم أجهزة القمع والتنكيل الحكومية ببقية الرعايا، فأجرَت عليهم ممارسات التوحش المعهودة، ومن ذلك مداهمتها مقر المنظمة الآشورية في القامشلي، ومصادرتها محتوياته، واعتقالها 13 قيادياً منهم، بعد مشاركتهم في واحدةٍ من المظاهرات. أما عن هجرات آلافٍ من هؤلاء المواطنين السوريين الآشوريين إلى الخارج، منذ أزيد من خمسين عاماً، فلم تتوقف، جرّاء المنظور الذي هيمن في الدولة البعثية التسلطية السورية التي رأت العروبةَ منظومةً معاديةً للحقوق الثقافية والقومية والاجتماعية والدينية للمكوّنات المتنوعة في الوطن الواحد. ولهذا، توازى منع الاحتفال بعيد الأكيتو الآشوري مع منع إحياء السوريين الأكراد عيد النوروز.
ومع التهنئة الواجبة للسوريين الآشوريين بعيدهم، وبسنتهم الجديدة، ومع التأكيد على وجوب التمسك بعروبةٍ تحترم، بالممارسة، تعبيرات التنوّع الثقافي والإثني في دولة المواطنة والحقوق، فإن ما عمدت إليه السلطة الراهنة في دمشق يدخل في باب المزاودة، الشيطانية المستنكرة، عندما تسمّي يوم العيد الآشوري رأس السنة السورية (!). من أين ابتدعت هذه السلطة، وإعلامها، هذا الاختراع الذي يُحيل إلى أغراضٍ غير خافية، موجزُها أن ثمّة استخداماً لتاريخٍ مختلق، من أجل اعترافٍ بهويةٍ "غائبةٍ وضائعة"، على ما قال أحد منظمي مهرجان الاحتفال بالمناسبة في اللاذقية، سمّى الاحتفال برأس السنة السورية هذه إحياءً للثقافة السورية. وهذه بدعةٌ تخرج على بديهيات التاريخ الذي يقول إن الآشوريين مستجدّون على الشام، بعد أن نزحوا من العراق، وصاروا سوريين بانخراطهم في الحياة السياسية والاجتماعية في بلدهم الجديد. أمّا إذا أراد نظام بشار الأسد الإيحاء بتابعيّة العراق واحداً من أقاليم "سورية الكبرى"، فالأمر بذلك يصير في دائرة التخريف البائس في زمن تسليم الرقّة وتدمر إلى "داعش".
أراد الحكم في دمشق من إجازته الاحتفالات بعيد الأكيتو الآشوري، ومن إحياء تلفزاته وجرائده هذه المناسبة البهيجة، أن يوهم العالم مجدّداً بأنه الحامي الوفيّ للأقليات، بل وأنه أيضاً مستعدٌّ من أجل الآشوريين أن يخلع عن نفسه الرداء العروبي الذي طالما تدثّر به. ابتذل هذا الحكم عيد الأكيتو، عندما أراده استثماراً في لعبة الكذب السياسي، وفي غضون الثرثرة العالمية عن مستقبل هذا الحكم ومصيره، فيما هذا العيد، كما أراده العراقيون الأوائل بين الرافديْن، يبدأ فيه تجدّد دورة الحياة في الطبيعة، فهو عيد بدء الربيع، وعيد تتويج الإله مردوخ ملكاً على الكون بعد انتصاره على الموت. ولا نظنّ أن انتصاراً سورياً على الموت يمكن أن يتحقّق بوجود هذه السلطة التي يجلس الشيطان القرفصاء في عقلها.
ومن عجائب حكومة الجمهورية العربية السورية أنها، وهي تتذكّر عيد رعاياها الآشوريين، تتعامى عن مطلبهم الذي لم يسقُط لديهم بالتقادم، وهو نيلهم حقوقهم الثقافية المشروعة في دولة تعدديةٍ ديمقراطيةٍ على مبدأ المواطنة الحرّة. ولذلك، سارع كثيرون منهم، ورموزٌ قياديّةٌ من بينهم، إلى المشاركة في فعاليات الثورة منذ أسابيعها الأولى، فماثلتهم أجهزة القمع والتنكيل الحكومية ببقية الرعايا، فأجرَت عليهم ممارسات التوحش المعهودة، ومن ذلك مداهمتها مقر المنظمة الآشورية في القامشلي، ومصادرتها محتوياته، واعتقالها 13 قيادياً منهم، بعد مشاركتهم في واحدةٍ من المظاهرات. أما عن هجرات آلافٍ من هؤلاء المواطنين السوريين الآشوريين إلى الخارج، منذ أزيد من خمسين عاماً، فلم تتوقف، جرّاء المنظور الذي هيمن في الدولة البعثية التسلطية السورية التي رأت العروبةَ منظومةً معاديةً للحقوق الثقافية والقومية والاجتماعية والدينية للمكوّنات المتنوعة في الوطن الواحد. ولهذا، توازى منع الاحتفال بعيد الأكيتو الآشوري مع منع إحياء السوريين الأكراد عيد النوروز.
ومع التهنئة الواجبة للسوريين الآشوريين بعيدهم، وبسنتهم الجديدة، ومع التأكيد على وجوب التمسك بعروبةٍ تحترم، بالممارسة، تعبيرات التنوّع الثقافي والإثني في دولة المواطنة والحقوق، فإن ما عمدت إليه السلطة الراهنة في دمشق يدخل في باب المزاودة، الشيطانية المستنكرة، عندما تسمّي يوم العيد الآشوري رأس السنة السورية (!). من أين ابتدعت هذه السلطة، وإعلامها، هذا الاختراع الذي يُحيل إلى أغراضٍ غير خافية، موجزُها أن ثمّة استخداماً لتاريخٍ مختلق، من أجل اعترافٍ بهويةٍ "غائبةٍ وضائعة"، على ما قال أحد منظمي مهرجان الاحتفال بالمناسبة في اللاذقية، سمّى الاحتفال برأس السنة السورية هذه إحياءً للثقافة السورية. وهذه بدعةٌ تخرج على بديهيات التاريخ الذي يقول إن الآشوريين مستجدّون على الشام، بعد أن نزحوا من العراق، وصاروا سوريين بانخراطهم في الحياة السياسية والاجتماعية في بلدهم الجديد. أمّا إذا أراد نظام بشار الأسد الإيحاء بتابعيّة العراق واحداً من أقاليم "سورية الكبرى"، فالأمر بذلك يصير في دائرة التخريف البائس في زمن تسليم الرقّة وتدمر إلى "داعش".
أراد الحكم في دمشق من إجازته الاحتفالات بعيد الأكيتو الآشوري، ومن إحياء تلفزاته وجرائده هذه المناسبة البهيجة، أن يوهم العالم مجدّداً بأنه الحامي الوفيّ للأقليات، بل وأنه أيضاً مستعدٌّ من أجل الآشوريين أن يخلع عن نفسه الرداء العروبي الذي طالما تدثّر به. ابتذل هذا الحكم عيد الأكيتو، عندما أراده استثماراً في لعبة الكذب السياسي، وفي غضون الثرثرة العالمية عن مستقبل هذا الحكم ومصيره، فيما هذا العيد، كما أراده العراقيون الأوائل بين الرافديْن، يبدأ فيه تجدّد دورة الحياة في الطبيعة، فهو عيد بدء الربيع، وعيد تتويج الإله مردوخ ملكاً على الكون بعد انتصاره على الموت. ولا نظنّ أن انتصاراً سورياً على الموت يمكن أن يتحقّق بوجود هذه السلطة التي يجلس الشيطان القرفصاء في عقلها.