النظام الرسمي العربي أمام تحدٍّ مصيريّ

13 فبراير 2025
+ الخط -

دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، نهاية الأسبوع الماضي، في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية، إلى ''إقامة دولة فلسطينية في السعودية''، في تحدٍّ سافرٍ للنظام الرسمي العربي، مستغلّا الارتباك الذي يسود معظم العواصم العربية المعنية، بقدرٍ أو بآخر، بما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزّة.

من ناحية، يعكس ما قاله نتنياهو قصورَه السياسي وافتقاده رؤية استراتيجية في تدبير منعرجات المعركة الحالية. وكان لافتاً منسوب السخرية التي قوبل بها تصريحه حتى داخل إسرائيل، فلم يكن أكثر من تنويعٍ فجٍّ على ما قاله ترامب بشأن التهجير. وأغفل أن مراكز القوة والنفوذ في الولايات المتحدة تسابق الزمن، لتذليل العقبات أمام التطبيع السعودي الإسرائيلي. وهو ما قد يعني أن مطالبته بإقامة دولة الفلسطينية في السعودية، في هذا التوقيت الحرج، قد تكون لها تداعيات عكسية، وقد تخلط أوراق القوى السياسية والاجتماعية العربية المؤيدة لمسار التطبيع في الإقليم. من هنا، وبلغة المصالح الاستراتيجية، لا يخدم تصريحه مصالح دولة الاحتلال التي يُفترض أنها معنيّة بالتطبيع مع ما تسميه ''محور الاعتدال'' العربي.

من ناحية أخرى، جاء تصريح نتنياهو في وقته، إذا اعتبرنا ما قاله تهديداً مباشراً لأمن دولة إقليمية بحجم السعودية. لقد كشف عن منسوبٍ عالٍ من الاستخفاف بالنظام الرسمي العربي. والواقع أنه ''محقٌّ'' في ذلك، بعدما عجز هذا النظام، أكثر من 15 شهراً، عن القيام بأي مبادرة سياسية من شأنها أن ترفع الظلم، ولو جزئياً، عن سكان غزّة في مواجهة حرب الإبادة الوحشية التي استهدفتهم بلا رحمة.

إذا كان هذا النظام يُحمّل حركة حماس مسؤولية التداعيات المأساوية لـ"7 أكتوبر"، فهو أيضا يتحمّل نصيبه في ذلك، فقد كان شريكاً في الحصار الشامل الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزّة، وسكت عن الانتهاكات الإسرائيلية وتهديد الوجود الفلسطيني بمخططات الاستيطان والتهويد والاجتثاث، آخرها ما حدث في القدس والمسجد الأقصى قُبيل اندلاع شرارة ''طوفان الأقصى''. وبذلك لم يترك لـ"حماس"، ولباقي الفصائل الفلسطينية، خياراً آخر غير الهجوم على العمق الإسرائيلي وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمامين الإقليمي والدولي.

بالطبع، لم يكن منتظراً منه أن يتدخّل عسكريا لوقف حمام الدم الفلسطيني في قطاع غزّة، بالنظر إلى بنيته ومراكز القوة المتحكّمة فيه، وميزانِ القوى في النظام الدولي، والتفوقِ التكنولوجي والاستخباري الإسرائيلي. لكن هناك أوراقاً كان في وسعه استثمارها، من ذلك وقف كل أشكال التطبيع، وتفعيلُ سلاحيْ الطاقة (ولو في حدودٍ) والمقاطعةِ الاقتصادية في وجه إسرائيل والدول الغربية التي تدعمها، واستغلالُ تناقضات النظام الدولي، والاستثمار في جماعات الضغط والمصالح في الغرب. ما لا يؤخذ بالحرب يمكن أخذه، كله أو بعضه، بالسياسة والدبلوماسية إذا ما توفرت الإرادة والكفاءة اللازمتان لذلك.

لن يتوقف توحش دولة الاحتلال عند حدود غزّة، بعدما فتح ترامب أمامها آفاقاً لم تكن تتوقعها لتنزيل مخطّطات اليمين الديني الصهيوني المتطرّف على أرض الواقع. ولذلك، آن الأوان للنظام الرسمي العربي أن يتجاوز نظرته إلى "حماس" تنظيما إسلاميا وذراعا فلسطينيا لجماعة الإخوان المسلمين، وأن يستوعب المخاطر التي تهدّد الدول العربية، ليس كنظام إقليمي، ولكن كدول وطنية (قُطرية) مسؤولة أمام شعوبها عن الخطر الوجودي الذي بات يهدّد أمنها الوطني.

الرفض العربي القاطع لتصريح نتنياهو بشأن السعودية وإدانته، على أهميتهما، غير كافييْن أمام ما يُروِّجه بمعية زعماء اليمين الإسرائيلي المتطرّف عن ''المقاربة الثورية والخلاقة لترامب'' بشأن تطهير قطاع غزّة من سكّانه وتحويله إلى ''ريفييرا الشرق الأوسط''. ولذلك يُؤمل أن تكون القمة العربية الطارئة، المزمع عقدها في القاهرة بنهاية شهر فبراير/ شباط الجاري، محطةً لتجاوز الخلافات العربية العربية، والخروج بموقف موحد، رافض لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية والقطاع، لأن التهجير، إذا حدث، ستكون له تداعيات إقليمية ودولية خطيرة لن تقف عند حدود مصر والأردن والسعودية.