الناصري حينما يبتلع كلبين

الناصري حينما يبتلع كلبين

15 أكتوبر 2020

مصطفي بكري وعبد الحليم قنديل وعماد الدين حسين

+ الخط -

عبد الحليم قنديل

انتظرت طويلا، وأنا أترقب خروج عبد الحليم قنديل من دشمته العسكرية في كتيبته الحصينة التي استمر فيها طوال عمره يقاتل إسرائيل بشراسة المنظّر والمفسر للفكر الناصري، حتى جاءت دولة الإمارات، ووقّعت معها صلحا في البيت الأبيض. انتظرت عبد الحليم أن يشجب هذا الصلح، ولو بشق تمرة، من أي إذاعة، ولو حتى إذاعة شرق ليبيا الوطنية. ولكن لأسابيع لم يخرج علينا عبد الحليم من دشمته الحصينة. انتظرته أن يخرج علينا لائما أو نائحا أو معاتبا أو حتى باكيا، وقد نادى الإمارات متضرّعا في الجهر، أو حتى في نصف العلن، أو في الحلم، قائلا لهم: إن مستقبل الأمة في خطر بعد هذا الصلح، أو أن فلسطين في خطر أشد وقد أصبحت على المحكّ، وهي قضية عبد الحليم الأثيرة، وقد أكلته وشربته خلال أربعين سنة من عمره النضالي، إلا أن عبد الحليم لم يخرج علينا. .. ما سر صمت الرجل الذي لم يهدأ يوما عن مهاجمة إسرائيل، حتى وهو بجوار أكتاف عبد الفتاح السيسي الذي كان من أول من بارك للإمارات هذا الصلح التاريخي من شهر؟ هل الرجل في إجازة طويلة؟ هل تم إرساله للعمل سفيرا بعد ما بارت الصحافة، وانتهى مفعولها الورقي، أم تم إجباره على ابتلاع كلبين مرة واحدة؟.

مصطفى بكري

يستطيع مصطفى بكري، بالكلمات الدائرية والدوارة والحامضة من عقود مضت ما بين شفتيه، أن يتفلت من قضيته، بحجّة تجديد آليات الصراع، خصوصا أن الإمارات هي التي تجدّد هذه الآليات، وليست غزة. يستطيع مصطفى بكري، من دون أي مخدر أو منكر، أن يعتبر الإمارات قد أحدثت نقلة نوعية في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي وتكتيكاته، بقيادة محمد بن زايد (فتح الأمة الجديد وقائد نهضتها رغم أنف تركيا والإخوان وعملاء الداخل والخارج). يستطيع مصطفى بكري، بمساعدة أحمد قذاف الدم، أن يأتي بعباءة معمر القذافي، ويرتديها على الهواء مباشرة في تلفزيون بنغازي، وعن يمينه صورة جمال عبد الناصر وعن شماله صورة القذافي. وأن يحلف بالمصحف الشريف أن اللواء خليفة حفتر سيحرّر ليبيا من العملاء والخونة، وأن الحلم العربي قد انطلق من الإمارات بتكتيكاتٍ رباعية، تقودها مصر قلب العروبة النابض، وفي الروح منها الإمارات، وفي البحر هناك البحرين، بحكمة ملكها، وعلى الحدود منها تراب السعودية المقدّس ومن فوقه محمد بن سلمان صمام أمان للعقيدة التي حرفها تجّار الدين والألماس. ويحلف مؤكّدا أن الأربع دول "مهما حاول عملاء إسرائيل برضه" كلهم بوتقة منصهرة بتكتيكاتٍ رائعة ضد إسرائيل، بآليات مختلفة وطرق معاصرة، بعد ما بليت الطرق القديمة في مواجهة العدو. يستطيع مصطفى، بفضل نحته عبارات جوفاء قرأناها مرارا في الصحف التي لففنا فيها ساندويتشات الفول والطعمية خلال أربعين سنة، ينفخ فيها أوداجه وأدراجه وعجلات تحليلاته السياسية على فضائيات رجال الأعمال، على الرغم من أنه ناصري حتى النخاع الشوكي. وكل سنة يبكي ناصر و"يتشحتف" على الإصلاح الزراعي والفلاح ونهر النيل. ولكنه لا يخجل من أي التواء في العبارة، ولا تخونه عروق رقبته أبدا من ضخّ الدماء من شرايين القلب إلى شعيرات اللسان في كل الفضائيات صبح مساء، من دون أن يهتز له حاجب.

تبقى هناك أسماء لمترجمين كرّسوا أعمارهم لخدمة الصراع العربي الإسرائيلي منذ نعومة أظافرهم، وقد ابتلعوا هم أيضا أكثر من كلبين .. وبرلمانيين، وخصوصا النائب الناصري العتيد، كمال أحمد، الذي رفع الحذاء في وجه توفيق عكاشة تحت قبة البرلمان، بسبب لقاء توفيق عكاشة بالسفير الإسرائيلي (فهل كان ذلك مقدّمة استباقية للمسرحية؟)، فلماذا لم يخرج السيد كمال أحمد كي يضع الفصل الأخير من المسرحية؟، لكنْ واضح أن البرلمان المصري بات من غير المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، بعد ما تحوّل الملف كله إلى يد محمد بن زايد، ونامت جامعة الدول العربية في سرير أبو الغيط على ضفة النيل.

عماد الدين حسين

ناصري حتى آخر شعرة، ويكتب في الإمارات. والرجل بالطبع في فمه ماء، ولكنه رئيس تحرير صحيفة الشروق، ورجل السيسي المعتمد، ليس من 30/6 فقط، بل من قبلها، يوم أن ظهر بجوار السيسي بكل وضوح، مع الفنانين عادل إمام وحسين فهمي، في المنطقة العسكرية لغرب القاهرة، وكانت تلك الوقفة الجامعة هي البداية الحقيقية والدامغة لإطاحة محمد مرسي. والرجل ناصري منذ أول رضعة أخذها في الصعيد حتى جاء القاهرة، ولم يتكلم ربع كلمة في صلح الإمارات مع إسرائيل، لا في الصحف التي يكتب فيها في الإمارات بالطبع، ولا كرئيس تحرير "الشروق".

أما لو تتبعنا باقي مَن ابتلع وسكت، فسوف يطول الكلام أطول من اللازم، وأكثر أيضا من ابتلاع كلبين.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري