المقاومة وترسيم الحدود

المقاومة وترسيم الحدود

11 أكتوبر 2020
+ الخط -

طبّقت الولايات المتحدة، نهاية الأسبوع الأول من الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) عقوبات ضد وزيرين لبنانيين، يعدّ أحدهما ركنا رئيسيا في حركة أمل، حسن خليل، وزير المال منذ العام 2014 حتى تشكيل حكومة حسّان دياب التي أشيع بأنها "حكومة تكنوقراط". وبعد إعلان العقوبات بثلاثة أسابيع، بدا منصب وزير المالية أحد الأسباب الرئيسية التي أفشلت جهود مصطفى أديب في تشكيل حكومةٍ جديدة، كانت مطلبا ملحّا من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ولكن إصرار ما سمّي "الثنائي الشيعي"، حزب الله وحركة أمل، على القبض على هذا المنصب الذي يتحكّم في حركة تدفقات النقد في ردهات الحكومة، عجّل بمصطفى أديب ليرفع يديه مستسلما، الأمر الذي أبقاه وحكومته في حالة تصريف الأعمال، بينما رئيس الجمهورية، ميشيل عون، يؤجل مشاورات تعيين حكومة جديدة حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول. لم يتأخر رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، وهو الممثل الرئيسي لجبهة "المواجهة" مع إسرائيل، بإعلانه بدء الاتفاق على اجتماعات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود! وهو قرار يعني فتح حوار مع "العدو" الذي تأسّست كل قواعد "المقاومة" على أساسه.

يبدو أن التضييق الاقتصادي على لبنان، وبشكل خاص على كتلة حزب الله وحركة أمل، قد اشتدّ إلى درجةٍ قصوى، ولم تكن العقوبات التي طبقت على وزير المال، حسن خليل، إلا تتويجا لهذه الأزمة، وبعد ضغط شعبي هائل، رفضا لاستمرار أزمات الاقتصاد، جاء إعلان برّي عن اجتماعات ترسيم الحدود .. كان الإعلان يتضمّن ترسيم الحدود البرية والبحرية، وقد نوّه برّي إلى ضائقته الاقتصادية بطريقة غير مباشرة، عندما قال إن اتفاقا من هذا النوع قد يزيل بعض الضغط الاقتصادي، وقد يفسح المجال لاستثمار حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية اللبنانية، وتلك التي يتنازعها الطرفان، الإسرائيلي واللبناني. وفي الواقع، يرغب الطرفان (حزب الله وحركة أمل) بأكثر من انفراج اقتصادي، فهما يعانيان حصارا سياسيا ظهر واضحا حين اعتذر أديب عن تشكيل الحكومة، وحمَّلهما ماكرون مسؤولية الفشل. وبإعلان برّي ترسيم الحدود عبر مفاوضاتٍ يكون قد وضع نفسه في تحدٍ يجب أن يفسّر فيه الازدواجية بين المواقف السابقة الطافحة بالمقاومة والإعلان الحديث لمد يد التفاوض.

يدين الحزب والحركة بمرجعيةٍ واحدة، ولهما هدف أساسي يتقدّم تحقيقه على أي هم سياسي أو اقتصادي، والتجمعان يواجهان موقفا صعبا، فالشارع اللبناني غاضبٌ إلى درجةٍ لم يعد يقبل فيها وضعا سياسيا شاذّا تمثله هاتان الجهتان بعد عاصفة اقتصادية جارفة، رافقت الحدث المزلزل المتمثل بانفجار المرفأ الذي عكس تراخيا سياسيا وأمنيا مريعا. والمشهد السياسي اللبناني يواجه قلقا من هيمنة هذا الثنائي، ويبحث عن مخرج مناسب. وفي الرد على ذلك، لم يجد الثنائي غير التوجه نحو الجنوب، ليس ببندقية وصاروخ هذه المرّة بل بيد ممدودة للمفاوضات، وهو يمارس تكتيكا جديدا، بعد أن دأب، في السابق، على إشعال الجبهات بالحروب عند أي أزمة.

ما يبحث عنه الثنائي اللبناني هو الوقت، وهو العامل نفسه الذي يبحث عنه الأخ الأكبر في إيران، فالاستحقاقات السياسية قادمة، وقد تفرج عن وجه مغاير، ونتائج الإنتخابات الأميركية واحدة من الحوادث التي تنتظرها طهران، أملا بانزياح مهم لصالحها، يخفّف من مأزقها الإقتصادي، وهو أيضا ما يبحث عنه الطرفان اللبنانيان، فمحادثاتٌ حسّاسةٌ من هذا النوع يمكن أن تأخذ وقتا طويلا قبل أن تصل إلى خاتمة. وخلال هذا الوقت الذي تصرّح به الخارجية الأميركية إن المفاوضات خطوة نحو الأمام، يمكن أن يتنفس طرفا المعادلة الشيعية الصعداء، فتتحرّك الأسواق قليلا، وينفرج بعض الضغط. ويمكن للإعلام المقاوم أن يبرّر بأن الوفدين، اللبناني والإسرائيلي، على الرغم من أنهما يجلسان في غرفة واحدة، إلا أن مسافة كورونية آمنة تفصل بينهما، ويتولى مندوب أميركي التنقل بينهما، ونقل وجهة نظر كل طرفٍ إلى الطرف الآخر، وبذلك يكون حزب الله وحركة أمل على مسافة أمانٍ كافيةٍ من التطبيع!