المقال الكوروني الأخير

المقال الكوروني الأخير

17 ديسمبر 2020
+ الخط -

عنوان هذا المقال على سبيل التمنّي، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً، في ما نحن فيه كبشرية من وباء. أتمنى فعلا أن أنجح في التوقف عن الكتابة الصحافية عن فيروس كورونا، وما تركه من آثار علينا طوال ما يقرب من العام. لا أدري إن كنت سأفعل أم لا، لكنني سأحاول بعد شعوري بالاستنزاف التام، ليس على صعيد كلماتي ومفرداتي الجديدة والطالعة من معجم الفيروس القديمة والجديدة وحسب، ولكن أيضا على صعيد مشاعري التي كادت أن تغرق في مستنقع الوباء بكل صوره التي عشناها وعايشناها هذا العام. 

ينتهي العام 2020 إذن، والعالم كله ما زال يعيش مأساة الوباء الكوني غير المسبوق، ويأتي العام الجديد، إن قدّر لنا أن نعيشه، محمّلا بالأمنيات الطيبة، على الرغم من أن لا منطق حقيقيا في الربط بين نهاية العام ونهاية كورونا سوى المفارقة التاريخية التي عشناها مع بدايات ظهور الفيروس قبل عام تقريبا، وأيضا الحديث المكثف هذه الأيام عن اللقاح الذي أصبح حقيقةً في عدد من بلاد العالم، وشهدنا أن هناك من أخذ جرعته الأولى منه، بانتظار الجرعة الثانية، ومن ثم النتائج المعتمدة له في تطبيقه على البشر. 

هل ستكون النجاة لهذا الكوكب المنكوب في نهاية العام حقيقة فعلا، أم أن حسابات الأمنيات تبقى في دفاتر الأحلام لكل الحالمين؟ في جردتي الشخصية للمقالات التي كتبتها في العام 2020، وهي أكثر من مائة، اتضح لي أنني كتبت 15 مقالا منها عن كورونا وما أحدثته في البلاد والعباد، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر، لكن خيط الفيروس جمعها. وأظن أن هذا كثير جدا لكاتبة دأبت، في معظم مقالاتها، على تناول الشؤون الثقافية والسياسية وحسب. فلم أتخيل يوما أنني سأخصص كل هذا العدد من المقالات للكتابة عن فيروس اعتاد الأطباء والعلماء وحدهم الاهتمام بالكتابة عنه. لكن الأمر اختلف مع كورونا الذي تعدّى أثره العواقب الصحية، ليكون عنوانا شاملا لمرحلة زمنية بأكملها، وليصبح من النوادر الظرفية القليلة التي اجتمع فيها ومن أجلها العالم كله، فعلى الرغم من مناوشاتٍ جرت ما بين الولايات المتحدة الأميركية والصين على خلفية النقاش في من تسبب أولا بتخليق الفيروس في مختبراته، وبعض التصرّفات التي ذهبت بأخلاق الدول إلى حضيض الحاجة في عز الأزمة، وشح المواد اللازمة للوقاية منها ومقاومتها، بقي التعاون الملاءة التي تساوى الجميع تحتها طوال العام الذي أوشك على نهاياته. 

هل آن أوان رصد الدروس المستفادة من الأزمة الشمولية العامة إذن؟ ليس بعد، فلم ينقشع من ضبابها سوى ما سمح بالتفكير في إمكانية أن يكون لها نهاية. وإذا كان اكتشاف اللقاح هو المرحلة الأخيرة من مراحل أي وباء عالمي كوباء كورونا، فإننا ما زلنا في الخطوة الأولى من خطوات هذه المرحلة المحاطة بأسوارٍ من الشك الحقيقي والوهمي كل على حدة. ولكن هذا كله لا يمنع أبدًا من التذكير بأهمية استخلاص الدروس، وهي كثيرة، ورصدها منذ الآن، فعندما تنتهي هذه الأزمة، سيكون من الصعب جدا العودة إلى الوراء، بحثا عن نقاط البداية في خضم النشوة بالانتصاري الإنساني الجديد. 

جمعت مقالاتي التي كتبتها عن كورونا، وأعدت قراءتها على سبيل محاولة استخلاص الدروس الشخصية على الأقل، فاكتشفت أنني أيضا ما زلت في بداياتي لقراءة ما عشته وما عايشته. والدروس، كل دروس الحياة، ليست مجانية حتى لو بدت كذلك.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.