Skip to main content
المغرب والجزائر‮: ‬انتصار الحكمة على توازن الرعب؟
عبد الحميد اجماهيري

اختار العاهل المغربي،‮ ‬محمد السادس،‮ ‬الانحياز إلى دبلوماسية التهدئة‮‮ ‬في‮ ‬العلاقات مع الجزائر، بعدما تلبدت‮ ‬غيوم كثيرة في هذه العلاقات تنبئ بدخول المنطقة منطق التأزيم المفتوح‮.‬.. وجه الملك‮،‮ ‬بمناسبة عيد العرش،‮ ‬الذي‮ ‬يصادف الذكرى الثانية والعشرين لتوليه الحكم،‮ رسالة واضحة الى الرئيس الجزائري،‮ ‬عبد المجيد تبون‮ "للعمل‮ معا‮ً" ‬في‮ ‬أسرع وقت ممكن،‮ ‬من أجل حلّ المشكلات العالقة‮.‬ وهو خطاب لا‮ ‬يساير سيناريوهات التأزيم أو سياسة التوتير‮‮ ‬الذي‮ ‬كانت التطورات في‮ ‬المنطقة‮، أخيراً، ‬قد أعطتها‮ ‬قوة ترجيحية واضحة،‮ ‬لم‮ ‬يغفلها المتتبعون‮. وقد عرفت حوليات العلاقات الثنائية لحظات توتر،‮ ‬ازدادت حدّتها مع تصريحات ممثل المغرب في‮ ‬الأمم المتحدة‮،‮ عمر هلال، ‬في‮ ‬سجال‮ ‬غير مسبوق‮ ‬مع وزير الخارجية الجزائري‮ ‬رمطان لعمامرة،‮ ‬بحق "الشعب القبائلي"‮ ‬في الجزائر بتقرير مصيره،‮ ‬على‮ ‬غرار دعوة الجزائر إلى تقرير مصير‮ "‬الشعب الصحراوي‮" ‬وجبهة بوليساريو (انظر مقالة الكاتب "المغرب والجزائر... توازن الرعب في‮ المنعطف الكبير" في "‬العربي‮ ‬الجديد‮" 20/7).‬ وأدى ذلك إلى استدعاء الجزائر سفيرها في‮ ‬الرباط، من أجل التشاور، متهمة المغرب بعدم الرد على‮ ‬استفساراتها بشأن تصريح ممثله‮ في‮ ‬الأمم المتحدة‮.‬
وفي‮ ‬وقت‮ ‬غطتْ‮ ‬فيه الساحة السياسية المغربية والجزائرية ‬كلّ ‬أنواع السرديات الحربية،‮ ‬جاء ‬خطاب العاهل المغربي،‮ ‬ليدعو إلى العودة إلى الثوابت التي‮ ‬ميزت السلوك المغربي‮ ‬إزاء الجزائر،‮ ‬ما‮ ‬يعد قراءة لمتغيرات المنطقة الأورومتوسطية،‮ ‬وقراءة أيضاً للمستقبل‮ ‬المشترك على ضوء استراتيجيات‮ أوروبية وشرقية‮، ‬تريد أن تلعب على حبل استمرار النزاع بين الطرفين‮.‬ ويستوجب سياق الدعوة المغربية بعض الملاحظات أهمها‮:‬

بالنسبة للمغرب تبدو القطيعة،‮ ‬مجسّدة في‮ ‬إغلاق الحدود البرية بين البلدين، وضعاً شاذّا‮ً، ‬فهذه الحدود الوحيدة في‮ ‬العالم ‬التي‮ ‬ما زالت مغلقة بين بلدين جارين

‬تجديد دعوة اليد الممدودة‮ ‬التي‮ ‬أطلقها الملك محمد السادس في ‮2018، ‬ثم كرّرها في‮ ‬مناسبات أخرى،‮ ‬والتي‮ ‬تدعو إلى حوار سياسي‮ ‬مشترك،‮ ‬بدون شروط ولا مسبقات.‮ ‬واقترح المغرب وقتها آلية سياسية للعمل المشترك لمعالجة الملفات العالقة‮.‬ ‬إعادة تأطير العلاقات الدبلوماسية،‮ ‬بثوابت المغرب الكبرى،‮ ‬ما‮ ‬يعني‮ ‬إعادة تأطير الدبلوماسية المغربية نفسها،‮ ‬من خلال هذه الثوابت‮. ‬وعوض الاتجاه نحو سيناريوهات القطيعة‮، ‬تفضيل العمل على تجاوز‮ ‬ظروفها‮.‬ وبالنسبة للمغرب تبدو القطيعة،‮ ‬مجسّدة في‮ ‬إغلاق الحدود البرية بين البلدين وضعاً شاذّا‮ً، ‬فهذه الحدود الوحيدة في‮ ‬العالم ‬التي‮ ‬ما زالت مغلقة بين بلدين جارين،‮ ‬في‮ ‬تناقض مع توجه دولي‮ ‬وإقليمي‮ ‬نحو تجسير العلاقات وفتح المجال لتنقل الأفراد والبضائع وغير ذلك‮.‬ وقد كان لافتاً أنّ العاهل المغربي‮ ‬استند إلى سردية مغاربية‮، بالإشارة إلى اتفاقيات المغرب العربي‮ ‬الموقعة في‮ ‬مراكش عام 1989 بحضور قادة دول المغرب الكبير‮‬،‮ ‬و‬منهم من رحل عن الحياة ومنهم من رحل عن السلطة‮.‬ ‬وضع الثنائي‮ المغربي‮ ‬الجزائري‮ ‬في‮ ‬قلب النظام المغاربي‮ ‬الجديد، ‬الذي‮ ‬يتولد‮ ‬في‮ ‬ليبيا وفي‮ ‬تونس،‮ ‬وما قد‮ ‬ينتج عن ذلك‮. ‬وباستحضار خطاب محمد السادس ‬في‮ ‬قمة الرياض الخليجية المغربية،‮ ‬في‮ ‬إبريل/ نيسان 2016. و‮يحضر التنبيه الذي‮ ‬وجهه عن التطورات المرتقبة،‮ ‬وذلك‮ ‬بانتقال شرارات الحروب الأهلية وتفكك الدول‮ ‬التي‮ ‬خلقت مآسي‮ ‬الشرق العربي ‬إلى‮ ‬الغرب المتوسطي‮ ‬العربي‮ ‬الإسلامي،‮ ‬وتزايد الرهانات على ‬المنطقة من طرف قوى‮ ‬وتكتلات دولية معروفة،‮ ‬بات صراعها في‮ ‬المنطقة يُرى بالعين المجرّدة‮.‬

قطع خطاب العاهل المغربي‮ ‬مع سيناريوهات القطيعة،‮ ‬وأعطى فرصة جديدة للواقعية السياسية والعقلانية والحكمة

‬توجيه رسالة إلى ‬داخل المغرب،‮ ‬أيضاً،‮ ‬سواء إلى الإعلام أو الفاعلين السياسيين أو الدبلوماسيين،‮ ‬أنّ الاختيار الثابت هو خيار البناء المشترك،‮ ‬وتغيير المزاج العام،‮ ‬من مزاج‮ ‬ينتظر الأسوأ إلى مزاج‮ ‬يميل إلى ‬بناء الثقة وفتح الطاقات الثنائية للعمل‮.‬
واستبعد المغرب، في‮ ‬اللحظة الراهنة، الوقوف عند تجديد المسؤوليات، وما‮ ‬يترتب عنها من تبعات، منها الاعتذار أو‮ ‬غير ذلك،‮ ‬بالدعوة إلى أنّ المسوولين عن الوضع قد رحلوا،‮ ‬وأنّ التنسيق‮ ‬يجب أن‮ ‬يتجاوز الوضع الحالي،‮ ‬بتفكيك الأساطير المؤسسة لخطابات العداء‮، ومنها الشر الذي‮ ‬قد‮ ‬يدخل مع فتح الحدود‮،‮ ‬أو تنشيط التجارات الممنوعة في‮ ‬المخدرات وفي‮ ‬الهجرات... إلخ‮.‬
وقد قطع خطاب العاهل المغربي‮ ‬مع سيناريوهات القطيعة،‮ ‬وأعطى فرصة جديدة للواقعية السياسية والعقلانية والحكمة،‮ ‬ويُجمع المتتبعون أنّ الكرة في‮ ‬ملعب الشريك الجزائري،‮ ‬وسيحدّد رد فعله‮ على هذه الدعوة‮ ‬طبيعة‮ ‬الجيو‮ستراتيجيا التي‮ ‬يريدها للمنطقة المغاربية، ولغرب المتوسط وللساحل جنوب الصحراء‮... وسنرى هل ستنتصر ‬الحكمة‮ ‬التي‮ ‬تفرضها واقعية الجوار والعمل المشترك، ‬على توازن الرعب الذي‮ ‬يعدّ إرثاً من الحرب الباردة.