المغرب وإسبانيا: مصالحة بأي ثمن؟

المغرب وإسبانيا: مصالحة بأي ثمن؟

17 ابريل 2022

رئيسا الوزراء الإسباني سانشيز والمغربي عزيز أخنوش في الرباط (7/4/2022/الأناضول)

+ الخط -

وضعت الحرب الصامتة بين مدريد والرباط أوزارها، بعد قرابة سنة من الصراع بينهما، بعد زيارة لرئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز المغرب، تُوجت بالاتفاق على خريطة طريق لتسوية الملفات والقضايا المشتركة بين البلدين. طي صفحة الخلاف، واستئناف العلاقات بين الجارين، جاء عقب تسجيل الدبلوماسية المغربية نقطة جديدة لصالح قضية الصحراء، بعد إعلان المملكة الإسبانية، العضو في مجموعة أصدقاء "الصحراء الغربية"، إلى جانب فرنسا وأميركا وبريطانيا وروسيا، والمستعمر السابق لما يزيد عن تسعة عقود للصحراء (1884- 1975)، تغييرا جذريا في موقفها الرسمي من النزاع، منذ انسحابها من المنطقة قبل 47 عاما.

عبّرت مدريد عن موقفها الجديد قبل أيام، في رسالةٍ موجهةٍ من رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس، اعتبرت فيها مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها بها المغرب عام 2007 بمثابة الأساس "الأكثر جدّية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" بشأن الصحراء. ما يمثل انقلابا جذريا في العقيدة السياسية لإسبانيا تجاه مشكلة الصحراء، فهو صادرٌ عن دولةٍ كانت مستعمِرة؛ ما يعني اعترافا ضمنيا بأن الأرض عادت إلى أصحابها. وإحدى الدول الأوروبية المتمسّكة ظاهريا بالحياد بين طرفي النزاع، رغم أن الواقع غير ذلك تماما، فقد استقبلت، قبل بضعة أشهر، زعيم جبهة بوليساريو، إبراهيم غالي، على أراضيها، ببطاقة هوية وجواز سفر مزوريْن، قصد تلقي العلاج في مستشفياتها.

مصالحة مدريد مع الرباط تقابلها أزمة دبلوماسية مع الجزائر، فقد اعتبرت الأخيرة القرار الإسباني بمثابة "خيانة ثانية للشعب الصحراوي"، واستدعت السفير الجزائري في مدريد للتشاور. والبلدان تربط بينهما علاقة شراكة متينة، والجزائر تلبّي أكثر من ثلث احتياجات المملكة من الغاز؛ فهي ثالث عميل بعد إيطاليا وفرنسا. ما يجعلها مالكة ورقة ضغط قوية على مدريد التي كانت تطمح، حتى وقت قريب، بزيادة تدفق الغاز الجزائري نحوها، قصد الشروع في السياسة الأوروبية التي تعمد إلى التخلي التدريجي عن الغاز الروسي.

أكثر من مؤشّر يفيد بأن الصفقة منحصرة بين الرباط ومدريد، وأن بوادرها سبقت زمنيا الحرب الأوكرانية بعدة أشهر

لم يرشح الكثير عن تفاصيل "صفقة المصالحة"، فالإعلام والخبراء؛ في الرباط وفي مدريد، يلوكون مضمون رسالة رئيس الحكومة الإسبانية إلى ملك المغرب، ثم بعده تفاصيل البيان المشترك الذي أعقب المباحثات التي جمعت بيدرو سانشيز بالملك محمد السادس، ليكون بذلك أول مسؤول أوروبي يُستقبل في الرباط رسميا، منذ بدء جائحة كورونا في 2020.

يعتبر تأويل رائج أن هذا الانقلاب في الموقف الإسباني من ثمار الحرب الروسية الأوكرانية، فانحياز مدريد نحو الرباط لدعم مقترح الحكم الذاتي جاء رد فعل على رفض الجزائر طلبا أميركيا، للزيادة في إنتاج الغاز لتلبية الاحتياجات الأوروبية، ناهيك عن إعادة تشغيل الأنبوب المغاربي – الأوروبي المارّ عبر المغرب للمساعدة في التخلي عن الغاز الروسي. واستند هذا الرأي إلى المعطى الزمني، فربطوا التحوّل في الموقف الإسباني بزيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية، ويندي شيرمان، المنطقة (الرباط، مدريد، الجزائر...). ولكن فرضية دخول واشنطن على الخط جد مستبعدة لأكثر من سبب، فالولايات المتحدة، في ظل حكم الديمقراطيين، لا تزال حذرة في تعاطيها مع نزاع الصحراء، عكس الجمهوريين الذين قرّروا، بقيادة دونالد ترامب، الاعتراف بمغربية الصحراء، مقابل إعلان تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب. كما أنها سجّلت على المغرب؛ حليفها الأول في منطقة شمال أفريقيا، تخلفه في دعم موقفها في الجلسة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث اتخذت الرباط موقفا غير مسبوق، حين تغيبت عن الجلسة.

ثمّة أكثر من مؤشّر يفيد بأن الصفقة منحصرة بين الرباط ومدريد، وأن بوادرها سبقت زمنيا الحرب الأوكرانية بعدة أشهر. فقد تحدّث الملك محمد السادس، في خطاب ثورة الملك والشعب، في 20 أغسطس/ آب 2021، عن مرحلة جديدة لا سابقة لها في العلاقات بين المغرب وإسبانيا. ما يعني أن التحضير لهذا التحول في الموقف الإسباني لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة شهور من التنسيق والتشاور، بعيدا عن الأضواء، بين الطرفين في القضايا الخلافية، سيما قضية الصحراء.

البرلمان الإسباني، وبالتزامن مع زيارة سانشيز الرباط، ندّد بتخلي الحكومة عن حيادها التاريخي بشأن نزاع الصحراء

تقدّم العبارات المنتقاة لتدبيج الرسالة والبيان المشترك، كالحديث عن "التزامات مشتركة بين البلدين"، والتعهد بـ"الامتناع عن كل عمل أحادي الجانب"، وكذا عن "العمل المشترك من أجل التصدّي للتحدّيات المشتركة".. مبرّرات لتفسير دواعي مراجعة إسبانيا موقفها من قضية الصحراء. بينما حقيقة انتقال مدريد من التحريض، داخل هياكل الاتحاد الأوروبي، ضد قرار ترامب، إلى التأييد الصريح للمقترح المغربي، تفاهمات أخرى غير ذلك تماما. لعل أول التوافقات ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، في الندوة الصحفية التي عقدها في الرباط، بعد الاستقبال الملكي، حين صرّح إن "لا مجال للشك في السيادة الوطنية للتراب الوطني الإسباني، بما في ذلك سبتة ومليلية". ومثل صمت وسائل الإعلام المغربية المطبق عن زيارة رئيس الحكومة ثغري سبتة ومليلية المحتلتين مؤشّرا على أن دخوله في معادلة المصالحة، سيما بعد استخدام الرباط ورقة الثغريْن أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، إلى درجة تحوّل معها إلى أزمة دبلوماسية، عند حديث رئيس الحكومة المغربية السابق، سعد الدين العثماني، في مقابلة صحفية عن "إمكانية فتح الملف في يوم ما".

كانت الرباط عازمة على التصعيد ضد مدريد بكل الأوراق الممكنة (مسألة الهجرة، التعاون الأمني، إغلاق المعابر..)، فالصحف الإسبانية كتبت عن إمكانية استخدام الرباط ورقة الانفصاليين في إقليم كتالونيا، بعد إعلان وزيرة العمل الخارجي في الحكومة الكتلانية، فيكتوريا ألسينا، انتظار رد السلطات المغربية عن قبولها نقل مقر تمثيلية حكومتها في شمال أفريقيا إلى المغرب بدلا من تونس.

بعيدا عن ثمن المصالحة بين الرباط ومدريد، ثمّة سؤال جوهري لا حديث عنه، في غمرة الانتشاء بـ "النصر الدبلوماسي"، يتعلق بضمانات الالتزام بهذا الموقف. بمعنى آخر؛ هل هذا الاعتراف موقف الدولة الاسبانية أم موقف الحزب الحاكم فقط؟ فالبرلمان الإسباني، وبالتزامن مع وجود سانشيز في الرباط، ندّد بتخلي الحكومة عن موقفها التاريخي المحايد بشأن نزاع الصحراء. وذهبت الأحزاب الإسبانية، بما فيها المشاركة في الائتلاف الحكومي (حزب بوديموس)، إلى معارضة موقف الحكومة حيال مشروع الحكم الذاتي، وهدّدت بإنهاء الإجماع بشأن السياسة الخارجية.

E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري