المصالحة الفلسطينية أيضاً وأيضاً

المصالحة الفلسطينية أيضاً وأيضاً

26 نوفمبر 2020
+ الخط -

بات في حكم المؤكّد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مصحوبا برئيس الموساد، التقى سرّا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الأحد الماضي، في مدينة نيوم السعودية. وتندرج هذه الزيارة ضمن الترتيبات التي يقوم بها محور التطبيع، من أجل تحصين مكاسبه من تحالفه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاسر في الانتخابات الأخيرة، ومواجهةِ الارتدادات الإقليمية المرتقبة لخسارة الأخير الاقتراع الرئاسي، على اعتبار أن هناك مخاوفَ تتوطّن مواقع القرار في أكثر من عاصمة عربية مما قد يسلكه الرئيس المرتقب، بايدن، من سياساتٍ قد تؤثر على هذه المكاسب بدرجةٍ أو بأخرى.
يُدرك محور التطبيع أن محاولات ترامب اليائسة لتغيير نتيجة الانتخابات لن تُجدي نفعا في دولةٍ تحكمها المؤسسات. ولذلك يسعى إلى استباق الزمن وفرض ''أمر واقع'' أمام الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، من خلال محور عربي إسرائيلي تتقاطع مصالحه في المنطقة. أولا، في الملف الإيراني بما أنه يرى في إيران تهديدا وجوديا. وثانيا في الملف الفلسطيني الذي يُرتقب أن يطرح بايدن بشأنه تسويةً ما على أساس حل الدولتين، وتراجعِ إسرائيل عن ضم أراض في الضفة الغربية وبناءِ مستوطنات جديدة. ولأن لكل شيء ثمنا، فليس هناك أكثر أهميةً من القضية الفلسطينية ليقدّمها هذا المحور إلى الكيان الصهيوني الذي يتطلع إلى تصفيتها واستبعادها، نهائيا، من الأجندات الإقليمية والدولية، بعد أن صارت الحلقة الأضعف في التحولات الجارية في المنطقة. 
أصبح استغلال الانقسام الفلسطيني، والانسدادِ السياسي والتنظيمي الذي تمر به هذه القضية، وتراجعِ الانشغال الشعبي العربي بها بعد 2011، والقلقِ الإسرائيلي المتنامي من التطلعات النووية لإيران، ذلك كله أصبح يقع في مقدمة أولويات هذا المحور. 
في ضوء ذلك كله، تصبح المصالحة الفلسطينية ضرورة قصوى. وأيُّ تأخر أو تماطل في إنجازها سيوسع هامش الحركة، أكثر، أمام السعودية والإمارات والبحرين لاستكمال الحلقات الأخرى من مسلسل التطبيع مع إسرائيل، والذي لا يعني غير الإجهاز على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. من هنا، فإن حركتي فتح وحماس مطالبتان بتجاوز خلافاتهما الفكرية والسياسية، على الأقل مرحليا، وقراءة التوازنات الإقليمية الراهنة، بمنظور جديد، من خلال الاستفادة من الدور التركي المتنامي في هذا الصدد، وهو الدور الذي قد يفتح ثغرةً في ظل الحصار الإقليمي والدولي المفروض على الفلسطينيين.
وبما أن الدول العربية المطبعة أصبحت ترى في فلسطين عبئا سياسيا وأمنيا ينبغي التخلص منه بأي وجه، فذلك يمثل فرصةً تاريخيةً أمام الفاعل الفلسطيني لإعادة توجيه بوصلة قضيته على ضوء الاصطفافات الجديدة في المنطقة، وبالتالي القدرة على إحداث بعض التوازن في مواجهة تغوّل هذه الدول واستهتارها بالحق الفلسطيني.
توالي حلقات التطبيع مع إسرائيل يجب أن يشكّل بالنسبة للفلسطينيين حافزا آخر للخروج من حالة الركود السياسي والتنظيمي، وقطع الطريق على من يريد تصفية قضيتهم خدمة لأجندات إقليمية ودولية معادية لحقوقهم التاريخية، فليس هناك من خيار أمامهم سوى إنجاز مصالحة تمرّ عبر إنهاء الانقسام، وإعادة هيكلة المؤسسات السياسية بإجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ تفضي إلى تأسيس شرعية جديدة، وتجديد النخب والمؤسسات، وقطع الطريق أمام محور التطبيع الذي يريد مصادرة القرار الفلسطيني من خلال تنصيب قيادة فلسطينية موالية لتوجهاته. ولا مبالغة في القول إن موجة التطبيع الحالية تتغذّى على غياب رؤية فلسطينية متكاملة لما يحدث في المنطقة. ووحدها المصالحة كفيلةٌ بالتوصل إلى هذه الرؤية التي ينبغي أن تتبلور في برنامج وطني واضح ومتوافق عليه.
تعيش السلطة الفلسطينية حالة شرودٍ سياسي، وما إعلانها استئناف التنسيق مع سلطات الاحتلال إلا تعبير عن هذا الشرود الذي يصب في مصلحة المحور العربي الإسرائيلي الجديد. وفي الوقت نفسه، تعيش حركة حماس مأزقا سياسيا ومجتمعيا، بسبب ما آل إليه الوضع العام في قطاع غزة. وعلى الطرفين أن يكفـّا عن اعتبار المصالحة معركةً من أجل الهيمنة السياسية على مراكز القوة والنفوذ داخل الساحة الفلسطينية، ويضعا مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار.