المستريحون في مصر

المستريحون في مصر

23 مايو 2022

أوراق نقدية مصرية من فئة مئة جنيه في شرم الشيخ (2/11/2018/Getty)

+ الخط -

نصب شخصٌ اشتهر بلقب "المستريح"، في عام 2015، على مئات المصريين، وجمع منهم أموالاً قدّرت بعشرات الملايين من الجنيهات، بحجّة توظيفها في مشروعاتٍ تدرّ مكاسب كبيرة في وقت قياسي. ومنذ ذلك الحين، بات لقب "المستريح" ملازماً لكل من يمارس النصب على المواطنين تحت عنوان توظيف أموالهم.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، ضُبط خمسة "مستريحين" استولوا على مئات ملايين الجنيهات المصرية. اثنان منهم كانا يعملان في محافظة واحدة، أسوان (أقصى جنوب مصر). وبينما ينتظر الخمسة المحاكمة أمام القضاء قريباً، لا تزال البلاغات تتوالى على الجهات العدلية بشأن نصّابين آخرين قاموا بعمليات مشابهة.
والمشترك بين هؤلاء جميعاً قدرتهم الفائقة على إقناع المواطنين البسطاء بإمكانية تحصيل مكاسب طائلة، تصل إلى ما يقرب من نصف قيمة أموالهم الأصلية، في وقت سريع. ما يعدّ استثماراً سريعاً من دون أدنى جهد، وتتجاوز نسبة المكسب فيه أضعاف فوائد البنوك التي يرفضها كثيرون، كونها محرّمة أو مشكوكاً فيها.
انتشرت هذه الظاهرة في مصر للمرة الأولى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، على أيدي أحمد الريان وأشرف السعد وعبد اللطيف الشريف، ففي سنوات قليلة تحوّل الثلاثة من تجار عاديين إلى مؤسسات مالية ضخمة، تتعامل بمليارات الجنيهات داخل مصر وخارجها. وتحوّلت تجارتهم الأساسية من السلع المستوردة إلى المضاربة بأموال آلاف المصريين في البورصات الأجنبية. ومع تضخّم الكيانات الثلاثة حتى كادت تتجاوز الدولة تمويلاً وتأثيراً في الاقتصاد المصري جرى توجيه ضربة خاطفة لهم كشفت هشاشة الأوضاع القانونية والاقتصادية وغموض التعاملات المالية لأولئك الأباطرة الثلاثة.
وشأن أي جريمة أو انتهاك للقوانين، ليست حالات النصب باسم توظيف الأموال التي جرى الإعلان عنها إلا نسبة محدودة مقارنة بغير المعلن وغير المكتشف منها. وإن كان ما جرى الكشف عنه في أسابيع قليلة يقارب المليار جنيه مصري، فإن بضعة مليارات أخرى ربما لا تزال تدور وتتداول بين أيدي النصابين والمضاربين بحجة توظيف الأموال.
المعنى الكامن في هذا المسلسل المتكرر من النصب والاحتيال أن السذاجة سمة ملازمة للمواطن المصري البسيط. بدليل وجود النصّابين منذ عهد حسني مبارك، ووقوع أعداد كبيرة من المصريين في شراك النصب، على الرغم من ضبط عشرات النصابين عبر عدة عقود. معنى آخر أهم، أن هؤلاء الذين يسهل النصب عليهم لا يثقون بالدولة ولا مؤسساتها، وإلا لاستثمروا تلك الأموال بشكل قانوني، أو لادّخروها في البنوك. كما أن حالة الاختناق والتضييق التي تفرضها السلطات في مصر على أي نشاط خاص، تجاري أو صناعي، كفيلة بإبعاد أي مواطن عن فكرة توظيف أمواله بطريقة شرعية وعلنية. وهو وضع مرشّح للاستمرار، بل والتفاقم، في ظل تكرار إقدام السلطات المصرية على إجراءات مفاجئة أو قرارات غير مفهومة، تُحدِث إرباكاً في دوائر الاقتصاد والتجارة، فضلاً عن الخسائر الفادحة التي يتكبّدها المستثمرون وأصحاب الأموال.
تتتبع جهات المعلومات في مصر تلك الوقائع، وتعدّها مؤشّراً إلى حجم الأموال السائلة والثروات التي يملكها المصريون، وهو ما تستند إليه دوائر الحكم والقرار في اتخاذ قرارات خانقة، وتبني سياسات مجحفة اقتصادياً. متجاهلة بذلك أمرين مهمين وواضحين، إلا لمن يريد الهروب من الحقيقة، أن تلك الأموال لا تساوي شيئاً مقارنة بحجم الأموال الساخنة التي خرجت من مصر في الأعوام الماضية، بسبب غياب الاستقرار وافتقاد مناخ صالح للاستثمار. والأهم أن الملايين التي يختزنها المواطنون المصريون لا تقارن بمليارات الدولارات التي يكتنزها أباطرة المال والأعمال الذين يحتكرون بعض قطاعات الاقتصاد المصري، من دون حسيب أو رقيب. بل وأحياناً من دون تحصيل الضرائب المستحقة عليهم، اكتفاء بتبرّعاتهم لمشروعات وأغراض تسمّى "قومية" تابعة لمؤسساتٍ لا تخضع لأي محاسبة أو رقابة رسمية.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.