المجتمع المسلم الكندي والدفاع الدستوري

المجتمع المسلم الكندي والدفاع الدستوري

28 ديسمبر 2021

(فرانسيس بيكابيا)

+ الخط -

تعرّض مقال الأسبوع الماضي في "العربي الجديد" (21/12/2021) لقانون الحزب الليبرالي في كندا تعزيز المثلية، الذي أقرّه البرلمان. وأكّد المقال أن المدخل الأساسي لتناول القانون ليس موجهاً إلى الحالة المثلية، وإنما لإشكالاته الدستورية والفكرية وانتهاكه حقوق الأسرة الفطرية، وتناقضه مع الحق الدستوري العام الذي يُفترض أن تكون موادّه ونصوصه فوق القوانين الإدارية، وأن يُنظّم الفصل بين الحقوق بحسب إيمان الأفراد والمجتمعات الصغيرة، بحقهم القيمي وضميرهم الديني. ويعرض مقال هذا الأسبوع لنص من أهم ما ورد في القانون BILL C-4، يثير أزمة تطبيق خطيرة في المجتمع الكندي، وبالذات لمن يؤمنون بالأسرة الفطرية من مسلمين وغير مسلمين، العبارة "تنصّ"، ولكن تُستخدم هنا لفظة تشير في حال اعتراض أيٍّ من مؤيدّي المشرعين الكنديين على مساحة الفهم: المادة تدين وتشمل التجريم القانوني، لمن يقمع إظهار التبادل بالميول المثلية لأحد آخر، وتعتبر أن هذا الرفض لإظهار الميول المثلية تجاه طرف آخر يقوم على عقيدة أساطير.
لتفكيك هذا المعنى جيداً، نأخذ بالاعتبار الأهمية البالغة لضرورة شرح القوانين العقابية، فضلاً عن المواد التي تُدين ثقافة الفرد أو قناعته المعتمدة على إيمانه بضميره الديني، وسنُمثّل لذلك في نموذج للمقاربة، وهي كالآتي: في حال لاحظ أحد الأبوين أن هناك شخصا يُبرز ميوله المثلية لابنهما الذكر، أو سيدة تُظهر الغزل المثلي لابنتهما الأنثى، حتى لو افترضنا أن الأولاد قد تجاوزوا سن الطفولة إلى البلوغ القانوني في كندا أو غيرها، علماً أن القانون لم يستثن الأطفال، ولم يُحل إلى مواد تحميهم. .. تجرّم العبارة هنا أياً من الأبوين، لو قمع هذه النزوة المثلية. وتستطرد العبارة القانونية بتبريرها، بأن ذلك يقوم افتراضاً بوصف المشرعين على أساطير. والمقصد الذي يتفق مع هذا المسار في القانون يتوجه إلى أنّ وصف الأسطورة هنا يُقصد به اعتقاد الأسرة البشرية الفِطرية، منذ آلاف السنين، بأن الأصل في علاقة التجاذب الجنسي والتزاوج هو بين الذكر والأنثى. وبالتالي، تعتمد ردّة فعل الأبوين أو القريب أو الصديق على ما يعتبره القانون أسطورة. وهذا غير مسبوق في التاريخ المعاصر، حين يَحسم النصّ القانوني، أو حتى يُشير بهذا الإبهام الغامض في نصه، على أن الاعتقاد والإيمان بالأسرة الفطرية أسطورة، فهو وصفٌ خطيرٌ، وتعدٍّ على المؤمنين بهذه القيم، المعزّزة بالنسبة لهم بالمعادلة العلمية القطعية ودلالات الوجود بين طرفي الأسرة، كما أنهُ يخالف قاعدة تشريع منصوصةٍ في الدستور (الضمير الديني)، ويُحقّر من المفاهيم التي يؤمن بها جزء كبير من الشعب الكندي، بمن فيهم من هو من أصولٍ قوميةٍ غربية، وبمن فيهم السكان الأصليون.

حماية حق الفرد في التعبيرين، الجندري والمثلي، لا علاقة له هنا بمفهوم الانسجام في داخل الأسرة، وبين الأطفال أو الراشدين ووالديهم

وهذا خللٌ واضح، سواء في حالة تأكيده، أو تصحيحه من دون توثيق، فالتوضيح الخطابي لن يُعالج مساحة تأويل هذا المصطلح في القانون، إننا هنا نضع أيدينا على الإشكالية الرئيسية في القانون، إضافة إلى الزخم الذي تحمله نصوصٌ أخرى متعلقةٌ بالرأي والقناعة، ومنها إيمان الأبوين على سبيل المثال بأن ولدهم الذكر أو ابنتهم الأنثى كانت تعيش في استقرار نفسي وحياة طبيعية، من دون التدخل في تأكيد أنوثتها أو ذكورته، بحكم الاستشعار الخلقي. ولكن حين حصل اضطرابٌ في الحياة النفسية لهذا الطفل أو ذاك، بسبب تدخل معلمٍ مثْلي في المدرسة أو موظف في المؤسسة الاجتماعية أو ضغط من الميديا، وشعر هذا الابن أو البنت باضطرابٍ نفسي، فلا يجوز للأبوين مساعدته نفسياً، بتذكيره بوضعه المستقرّ وتهدئة خاطره، ويكاد القانون يُجرّم الأبوين في الحديث لأولادهم، فضلاً عن طلب المعالجة النفسية.
إذن، هنا نحرّر كيف يمكن أن تحوّل مواد القانون إلى حالة ضغطٍ خطيرة، وتدخل في الحق الضميري المطلق للأسرة التي جاءت من خارج كندا، أو كانت من أصولٍ كنديةٍ قديمة، وهذا إخلالٌ، بل إسقاط لمبادئ الحق التعدّدي. أما حماية حق الفرد في التعبيرين، الجندري والمثلي، فلا علاقة له هنا بمفهوم الانسجام في داخل الأسرة، وبين الأطفال أو الراشدين ووالديهم، فخلاصات النص القانوني تركّز على معتقدات الأسرة الفِطرية، وهو ضغط بالتدخل ضدها من داخلها، وضد الطفل ذاته أو الراشد، الذي يستمع بطبيعة الرعاية المطلقة لوالديه، لما هو في صالحه وصالح سكينته النفسية. ومن هنا، نطرح ما الذي يمكن للمجتمع المسلم في كندا أن يفعله حيال هذه الأزمة الخطيرة:

من المهم للمجتمع المسلم في كندا أن يخرج من دائرة الانسحاب إلى الحضور والمشاركة في سنّ التشريعات ومدافعة التشريعات الأخرى

أولا، في بداية الأمر، هنا تأكيد إن الموقف من صمت شركاء الحزب الليبرالي من المسلمين من أعضائه ونوابه وشخصياته لا يقوم على رفض اختيارهم ما بين هذا الحزب أو ذاك، وإنما هي الإشارة إليهم بأهمية تحريك حضورهم، ولفت نظر المؤسّسة التشريعية إلى خلل القانون والعمل على استصدار قانون تنظيمي، يُعالج التوظيف الخطير الذي قد يواجه الأسرة المسلمة مستقبلاً، إذا استمرّ هذا التشريع مفتوحا لتفسيرات مسيئة للأسرة.
ثانيا، من المهم للمجتمع المسلم في كندا أن يخرج من دائرة الانسحاب إلى الحضور والمشاركة في سنّ التشريعات ومدافعة التشريعات الأخرى، في ما يتعلق بالأسرة والطفولة. ولسنا نقول هنا إنهُ لا يوجد حضور، ولكننا نؤكّد على الحضور النوعي الضروري، والذي يحتاج أن يمدّ جسور الحوار والمفاهمة مع شركائه مجتمعياً وسياسياً.
ثالثا، البعد الأخير والأهم هو حاجة المجتمع المسلم القُصوى إلى خطاب التأهيل الفكري الذي يحتاج أن يعيه الوالدان والمربّون والمعلمون، وخصوصا في الأيقونات الفكرية والسياسية التي قامت في الأصل، في كندا وغيرها، على تشريعات الفلسفة الغربية أرضية للتشريعين، القانوني والدستوري. والعمل على تبسيط اللغة وشرح المفردات والتاريخ الاجتماعي للإنسانية للشباب من الجنسين، وعلاقته بنصوص الوحي، وبمصالح الفرد والأسرة البشرية وبالذات الطفولة، حتى يقوم على قناعةٍ ذاتيةٍ صلبةٍ يستشعرونها لقرارهم الذاتي، وأنه اختيار حياة وحرية تحت العدالة السماوية التي أنبتت هذا الجسد وبعثت هذه الروح.