المبادرة السعودية والحسم في اليمن

المبادرة السعودية والحسم في اليمن

25 مارس 2021
+ الخط -

في وقتٍ تحاول فيه الإدارة الأميركية الجديدة الانعطاف بالملف النووي الإيراني بعيداً عن حسابات الأزمة اليمنية، تبذل إيران قصارى جهدها لإبقائه ضمن معادلة الحل السياسي في اليمن. ومع احتدام المواجهات في مدينتي مأرب وتعز، ونجاح الهجمات التي تقوم بها جماعة الحوثي داخل العمق السعودي في استهداف منشآت حسّاسة، من قبيل تلك التابعة لشركة أرامكو، يزداد الوضع الميداني تعقيداً، ما يخلط الأوراق أكثر، ويمنح هامشاً آخر للنظام الإيراني للمناورة وتدوير مخططاته في المنطقة.

ضمن هذا السياق، طرحت السعودية مبادرةً لحل الأزمة اليمنية وفق قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل. وبقدر ما تكشف هذه المبادرة المأزق الميداني والسياسي الذي تواجهه قوات التحالف في اليمن، بعد عجزها عن تحقيق أهداف ''عاصفة الحزم'' منذ انطلاقها 2015، تتوخّى تعويمَ الضغوط الدولية المتزايدة على هذه القوات، بتوجيهها نحو جماعة الحوثي وإيران، بشكلٍ يضعهما في مواجهة المجتمع الدولي، فالرياض تدرك أن الجماعة سترفض مبادرتها لاعتباراتٍ ميدانيةٍ بحتة، فالمواجهات في تعز ومأرب لم تحسم بعد، وليس هناك ما يفرض على الجماعة قبول المبادرة في ظل ميزان القوى الحالي على الأرض. وهنا، يمكن تفسير المبادرة باعتبارها محاولةً لاستباق ما قد تسفر عنه هذه المواجهات بالنظر إلى موقعي المدينتين، خصوصاً مأرب التي، فضلاً عن ثقلها الاستراتيجي والاقتصادي داخل الجغرافيا اليمنية، تُمثّل آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال البلاد. ونجاح أي طرف في حسم معركتها سيكون تحوّلاً مفصلياً في مسار الأزمة.

لن يفضي حسم المواجهات الدائرة في تعز ومأرب فقط إلى تعديل ميزان القوى في اليمن، بل ستكون له تداعيات على مسار الملف النووي الإيراني بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية المعنية به، فنجاح جماعة الحوثي في اقتحام مأرب والسيطرة على حقول النفط والغاز فيها سيمكّنها من أوراق جديدة تعزّز موقعها التفاوضي إزاء السعودية والإمارات والحكومة اليمنية، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة لإيران التي تبحث عن منافذ لتصريف جزءٍ من الضغوط الأميركية، وتوسيعِ شبكة نفوذها الإقليمي، واستخلاص عوائد سياسية يوظفها المفاوض الإيراني في إدارة تناقضات هذا الملف. وفي المقابل، ستترتب على خسارة الجماعة معركة مأرب تبعات كثيرة لن تتوقف عند الساحة اليمنية، بل ستتخطّاها نحو إيران التي ستتقلص خياراتها أمام القوى الإقليمية والدولية المعنية ببرنامجها النووي، هذا فضلاً عن الصراع الإيراني السعودي الذي قد يأخذ مساراتٍ أخرى في مختلف أنحاء الإقليم.

نجحت إيران في إبقاء الورقة اليمنية ضمن حسابات ملفها النووي، بإنهاكها قوات التحالف وتوريطها في حرب استنزاف طويلة، ومكلفة مادياً وسياسياً وأخلاقياً. ومن ثمَّ، يبدو رفض الحوثيين مبادرة الرياض بمثابة رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مفادها أن طهران ما تزال تتحكّم في جزء غير يسير من أوراق الأزمة اليمنية. وبالتالي، فإن حلها يمر، بالضرورة، عبر رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه في 2018.

من ناحية أخرى، تدرك الإدارة الأميركية أن استجابتها لهذين الشرطين، من دون ضمانات حقيقية بوقف طهران برنامجها النووي، قد تجعل الطريق سالكة أمام حل سياسي في اليمن، لكنها قد تُعجّل، في أي لحظة، باندلاع مواجهة إيرانية إسرائيلية تأتي على الأخضر واليابس في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن هذه الإدارة معنية بوقف الحرب في اليمن وإنهاء معاناة الشعب اليمني، انسجاماً أولاً مع قرار الرئيس بايدن وقف دعم الولايات المتحدة هذه الحرب، وثانياً مع التزامه بوضع الديمقراطية وحقوق الإنسان على رأس أجندته، بعد وصوله إلى البيت الأبيض.

يؤكّد رفض الحوثيين المبادرة السعودية أن الأزمة اليمنية لم تعد شأناً يمنياً خالصاً، في ظل اتساع رقعة الفاعلين المتدخلين فيها. إنها مواجهة إقليمية مفتوحة يتواجه فيها اليمنيون باعتبارهم وكلاء محليين في صراعٍ مستعرٍ على الهيمنة والنفوذ في المنطقة.