اللاجئ الفلسطيني والسلَّة الغذائية

اللاجئ الفلسطيني والسلَّة الغذائية

03 مارس 2021
+ الخط -

كنت، في ثمانينيات القرن الماضي، أسترق السمع، بكلِّ أسى، للحوار المعتاد، والمكرَّر، بين نسوة الحيّ الفقيرات المبتهجات، فواحدةٌ منهن تتحدّث، بفرح، عن أنّ ابنها قد حصل على بطاقة هوية، وأنها ستزوجه؛ لكي ينفصل عن بطاقة التموين الخاصة بالعائلة، فيصبح له عائلة مستقلَّة تحصل على مخصَّصات غذائية منفصلة، من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

كان حديث الجارة المبتهج يوحي بالفرح والذكاء وحسن التدبير، إلى درجة أن تحسدها باقي الجارات، وتحسب كلُّ واحدة كم بقي من الزمن؛ ليبلغ ابنها السادسة عشرة من العمر، ويصبح لديه بطاقة هوية، ومن ثم الانفصال عن العائلة الأم، بالزواج. وبذلك تزداد كمية الطحين والسكر والزيت. وكانت هذه الأماني الموجعة والمتواضعة أكبر ما يحلم به هؤلاء الفقراء، وهذه هي حساباتهم، وكل حديث يدور في مجلس للرجال، أو النساء، فهو عن طرق الانتفاع المتعدِّدة والمختلفة والمستحدثة بمخصصات "أونروا" التي توزعها عليهم، وفق جدول زمني محدّد، بل يقومون بالمقايضة والاستدانة، بناءً على تلك المخصّصات التي توزَّع بحسب أفراد كل أسرة؛ فتزداد بزيادة عدد أفرادها. ومرّت السنوات، وبدأت تلك المخصصات تتقلَّص، وتؤثِّر بحسابات اللاجئ الذي ظن نفسه قادراً على تأمين أقل مستلزمات العيش، في ظل اللجوء والتهجير، وموقف العالم من قضيته، ففقد ما كان يحصل عليه من مخصّصات، لكل مولود في الأسرة، لعمر السنة، فضلاً عن مخصّصاته الأساسية، كفرد جديد، أضيف إلى عدد أفراد الأسرة، ومخصّصات الأم الحامل، خلال فترة حملها، لحاجتها للتغذية والرعاية الصحية؛ فتُضاف إلى حصة الأسرة حصة خاصة لها؛ من الحليب وعلب السردين وعلب اللحم المقدَّد.

مع سنوات النكبة الأولى، تقرَّر إنشاء وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، التي قدَّمت خدماتها للاجئين، على مدى أربعة أجيال، بدءاً من 1949، وتشمل تلك الخدمات المعونات العينية، من الغذاء، ثم العلاج والتعليم، والخدمات الاجتماعية في المخيَّمات. ثم بدأت "أونروا" تلوِّح بتقليصاتٍ على خدماتها، خلال سنوات عملها التي تحدث دورياً، حتى تراجعت بشكل ملحوظ، مع تراجع تبرُّعات أكبر المساهمين فيها، الولايات المتحدة الأميركية، التي ربطت ما بين المساعدة الإنسانية والمواقف السياسية. فمع رفض الفلسطينيين قرار الرئيس الأميركي السابق، ترامب، إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، قرّرت الولايات المتحدة خفْضَ معوناتها بقيمة 65 مليون دولار، وهي الدولة التي تقدّم أكبر معونة لـ"أونروا"، ويليها الاتحاد الأوروبي، ما حدا الوكالة الأممية إلى اتخاذ قراراتٍ متتالية وتدريجية، لتقليص خدماتها المقدَّمة للفلسطينيين، في أقاليمها الخمسة: سورية ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد خرجت في الأيام القليلة الماضية، مع موعد توزيع دورة المساعدات، احتجاجاتٌ غاضبة للاجئين، في أماكن توزيعهم؛ بسبب تقليص تلك الخدمات، بشكل ملحوظ، مع تأكيد المسؤولين أن تلك المساعدات هي من حقِّ كلِّ لاجئ فلسطيني. وقد صُنِّف اللاجئ الفلسطيني بأنه كلُّ مَن كانت فلسطين مكان إقامته الفعلية، بين يونيو/ حزيران 1946 ومايو/ أيار 1948، وفقد كلَّ ممتلكاته وأمواله ومنزله، بسبب الصراع العربي الإسرائيلي في 1948، وقد توارث الأحفاد هذا التعريف، على مدى سنوات النكبة. وبعد أن كان اللاجئ، في السنوات الأخيرة، يحصل على ما قيمته 15 دولاراً أميركيّاً، كل ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من ضآلة ذلك المبلغ، فقد اتُّخِذ قرار تعسفيٍّ، باقتطاع جزء من هذا المبلغ، مع التحديث الدوري لخدمات الوكالة. وكان خروج اللاجئين الفلسطينيين للاحتجاج على هذا القرار، وكان أكثر ما يوجع أن نرى آباءً وأبناءً يلقون أنفسهم أمام شاحنات "أونروا" التي توزّع المؤن الغذائية، في مقرَّاتها، داخل المخيَّمات، بمعنى أن الموت أهون على هؤلاء من تقليص المعونات، في ظروفٍ صعبةٍ يمرُّ بها الفلسطيني، خصوصاً مع تفشِّي الفقر والبِطالة، بحلول أزمة فيروس كورونا، وما خلَّفته من تداعياتٍ على العالم أجمع، اقتصاديّاً ومعيشيّاً.

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.