الكردي الإسرائيلي بالضرورة واللزوم

الكردي الإسرائيلي بالضرورة واللزوم

04 أكتوبر 2021

(سروان باران)

+ الخط -

يسعى إقليم كردستان العراق إلى التطبيع مع إسرائيل. هكذا بكل حدّية، خرجت صحف وأقلام عراقية وعربية، تصرّ على تكريس الصورة النمطية المرسومة عن الكرد وقضيتهم ومطاليبهم، والاستمرار بربطهم بالكيان الإسرائيلي، والتي ينجرّ إليها ساسة غارقون بالفساد والنزعات التدميرية، ومصرّون على تكريس التهم، وحمل الأجيال الجديدة تركتهم المريضة، من دون دليل أو إثبات، وهي المشكلة التي عانى منها كُرد سورية نصف قرن، من دون أيّ أثرٍ أو وجودٍ لبنية التهمة، لكنها، في أغلب الأحيان، شكلت شمول كُل كُرد العالم بتهمة العمالة والتواطؤ مع إسرائيل في كل منجز لإقليم كردستان العراق، ومع تطور الشعور القومي الكُردي في أيَّ مكان آخر، وعند الثبات على مطلب المساواة والعيش المشترك ورفض سياسات الإلغاء. والشواهد والحالات عديدة وكثيرة مما عاناه كرد سورية من أقرانهم وشركائهم، حيث التهمة المعلّبة كأبرز أدوات الصدّ لأيَّ مطلب سياسي لهم.
في جديد الموضع، عقد عديدون من شيوخ عشائر عربية عراقية نازحة إلى كُردستان العراق، هرباً من بطش تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحشد الشعبي، والفقر الذي لحق بمحافظاتهم، عقدوا ندوة، بدعوة من مركز اتصالات السلام "الأميركي" بعنوان "السلام والاسترداد" في عاصمة إقليم كردستان، أربيل، ما شكل عنفاً لفظياً وإعلامياً وخطاب كراهية، حُمّل فيه الإقليم وزر مخرجات المؤتمر الذي جاء في بيانه الختامي الصادر عن المجتمعين "نحن تجمّع من السنة والشيعة، يضم أعضاء من حركة صحوة أبناء العراق السنة، إضافة إلى مفكرين وشيوخ عشائر وشباب ناشطين من حركة احتجاج عامي 2019-2021، في ست محافظات، هي بغداد والموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وبابل... ندعو لأن يدخل العراق في علاقات مع إسرائيل وشعبها من خلال اتفاقات على غرار الدول العربية التي طبّعت". هي دعوة من عشائر عربية، وكانت التهمة من نصيب الكُرد وكُردستان العراق.

الجموح الكردي في العراق نحو الاستقرار والأمان ما زال المشجب الجاهز لتعليق كل الفشل والانكسارات

في المقابل، لم يفت إقليم كُردستان الذي وقف في وجه كل المخططات والمؤامرات اتباع سياسة المواجهة الناعمة، متجليةً في بيان لوزارة داخلية حكومة الإقليم، موضحا أن المؤتمر "لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن موقف حكومة إقليم كردستان، ولا علاقة لها بالمؤتمر الذي كان يهدف للعمل على مفاهيم التعايش على أسس الفدرالية في العراق، على ضوء الدستور العراقي الدائم، إلا أن بعض المشرفين عليه قاموا بحرفه عن أهدافه واستخدامه لأغراض سياسية". وبشأن احتمال إخراج منظمّي المؤتمر من الإقليم "سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة كيفية انعقاد هذا الاجتماع". 
رُبما لا غرابة في موقف الجهات التي هرولت إلى اتهام الكُرد بالسعي نحو التطبيع مع إسرائيل، فهؤلاء امتدادٌ لمن حاولوا جاهدين وشم ثورات البرزانيين الكردستانية في كردستان العراق بالتعامل مع تل أبيب، وهم أنفسُهم الذين حاولوا مراراً التأكيد على دور إسرائيل في وصول الراحل جلال طالباني إلى سدة الحكم في العراق. وهناك من ظن أن الأسطوانة المشروخة انتهت عند أبواب اتهام "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ببيع النفط إلى إسرائيل، من دون تقديم أو شرح للجغرافيا المعتمدة لإيصال النفط إليها. والواضح أن الجموح الكردي في العراق نحو الاستقرار والأمان والتميز عن كامل العراق وبعض دول الجوار ما زال المشجب الجاهز لتعليق كل الفشل والانكسارات التي منيت بها تلك الأطراف الساعية إلى تحويل فلسفة الحيّاة الكردية إلى شمّاعة لتعليق فشلهم عليه، عبر ترسيخ تلك التهم، فحالة الحطام الفكري والسياسي والثقافي والأدبي والعسكري والأمني في العراق لن تجد أفضل من كردستان وشماعة تعاطيه مع إسرائيل للهروب من الاستحقاقات والمطالب الشعبية التي كشفت العقود الماضية زيف ادّعاء النخب السياسية العراقية في الغالبية العظمى من طروحاتها وأحاديثها، وبطلان وعودهم التي قطعوها للقواعد الاجتماعية، خصوصا المتعلقة بالحكم الرشيد والشفافية والحوكمة، تلك القواعد التي استقبلت الرصاص الحيّ في أول دعوة شعبية إلى تحقيق تلك الوعود.

الجانب القانوني للتطبيع مع إسرائيل يخصّ المركز بغداد، هو أمرٌ غير منوط بإقليم كردستان دستورياً وقانونياً وسياسياً ضمن الدولة العراقية

والواضح أيضاً أن كتّلة الشيوخ الذين عقدوا مؤتمرهم قد استثمروا فضاء حرية الحركة والتنقل والاجتماع التي كفلها لهم الإقليم، ولم يحضر كردي واحد هذا المؤتمر، لا بصفة رسمية، سياسيا أو مسؤولا حكومي أو عسكريا، ولا بصفة خاصة كتّابا أو صحافيين، وتالياً فإن لما أثير في هذا التوقيت دلالات فاضحة بشأن نية أطراف عراقية التأثير على سير العلمية الانتخابية للبرلمان العراقي، خصوصا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق لجأ إلى سياسة انتخابية جديدة، عبر ترشيح ممثلين عن المكون العربي ضمن قوائمه الانتخابية في محافظات سنّية، علماً أن الجانب القانوني للتطبيع مع إسرائيل يخصّ المركز بغداد، بمعنى أنه أمرٌ غير منوط بإقليم كردستان دستورياً وقانونياً وسياسياً ضمن الدولة العراقية، ولا يجري عقد صلات أو علاقات أو تطبيع مع جهات من دون علم المركز، خصوصا في ما يتصل بجهاتٍ تقول بغداد إنها على عداء تاريخي معها، تقديراً للقضية الفلسطينية. 
وحتى خطوة "الالتفاف" التي سعت إليها شخصياتٌ نافذة ومتصدّرة المشهد السياسي العشائري العربي، وادّعاء سبب حضورهم المؤتمر، كونه دعا "إلى المحبّة والتسامح بين أبناء الشعب العراقي بعد الانتصارات التي تحقّقت على الإرهاب الداعشي"، لن تأتي بثمارها، فقراءة البيان الختامي والتحجّج بعدم المعرفة بمضمونه، أوجدا إشارات استفهام كبيرة بشأن مصداقية التبريرات التي سيقت من عدمها، ونوعية النُخب العراقية الحاكمة لعشائرها.

في ظل حالة التطبيع العربي أخيرا مع إسرائيل، ما عاد لأيَّ طرفٍ الأحقية في تقييم المواقف الأخلاقية للآخرين

في العموم، كشفت ثورات الربيع العربي أن الأنظمة مستعدّة للتخلي عن الملايين من شعوبها في سبيل بقاء حكمها واستمرار فسادها، فالأنظمة العربية كانت تلجأ إلى تحريك المجتمعات المحلية ضد الكرد؛ بنعتهم عملاء لإسرائيل. هذه المجتمعات والشعوب نفسها اتهمت بالعمالة والتواصل مع إسرائيل، في أول مرة طالبت فيها بحريتها وحقوقها، وهي الصورة المشابهة لجهات عديدة عملت، بكل قواها، على تثبيت تهمة التواطؤ الكُردي مع إسرائيل، ولم تكترث لمصير ستة أبطال أسرى في سجون إسرائيل، تمكّنوا، بعد أكثر من عام ونصف العام، من الجهد والعمل العضلي المضني في حفر نفق للخروج إلى الحياة. لم يجد هؤلاء الأبطال أيَّ يد تُمد لهم أو تؤويهم، ولولا الوشايات رُبما وصلوا إلى برِّ الأمان. 
في العموم، وفي ظل حالة التطبيع العربي أخيرا مع إسرائيل، ما عاد لأيَّ طرفٍ الأحقية في تقييم المواقف الأخلاقية للآخرين، خصوصا أن العراق، تحديداً، تحوّل إلى أبعد ما يكون عن القرار الوطني السيادي، نتيجة التدخلات الإقليمية، وخصوصا من جارته إيران، وتأثيرها على القرار السياسي العراقي، واستعداد النخب القيادية في بغداد لقتل المتظاهرين دوماً وأبداً، في سبيل الحفاظ على عروشهم الهشّة، كما أن ما يشهده شمال غرب سورية من تدخل إقليمي وتحوله إلى شبه ولاية تُركية، وتغلغل إيران وروسيا في صناعة القرار السوري، ما عاد يحق لأيَّ طرف اتهام الكُرد بالتعامل أو ما يُعرف بالتواطؤ مع إسرائيل.