القواعد الأميركية

16 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 03:02 (توقيت القدس)
+ الخط -

يحدث أحيانا أنْ تقرأ مقالًا فلا تَعرف هل هو موجّه إليك أم لغيرك؟ وتظنّ أنك لو سألت كاتبه لأجابك، فإذا به لا يعرف هو الآخر ماذا كتب؟ ولمن؟ هل نكتب لأنفسنا؟ هذه الإجابة رومانسية و"بيّاعة"، لكنها غير حقيقية، قد يَنشغل الكاتب بنفسه فيكتب لشاشة حاسوبه أو لأدراج مكتبه، لكنه إذا نشر، فهو يستهدف القارئ، توعيته أو استفزازه أو إرضاءه أو إرضاء نفسه من خلاله، ولذلك يبدو غريبًا ومُربكًا أن يتجاوز مقال الكاتب ذلك كلّه، ومع ذلك ينشره، لماذا؟ ولمن؟

تعال نلعب هذه اللعبة، فهي مسلّية على كلّ حال، على الأقل أكثر من مشاهدة مؤتمرات القمم العربية والإسلامية، التي صارت منذ بداية حرب غزّة، خمسة، ولكن ليس "في عين العدو"، كما يقول المثل المصري، بل في رصيده، رصيد ضربه لنا ببعضنا، وأحيانًا بنفسه.

سأقول لك هنا ما تعلمه جيّدا، لكننا نُعيده، أنا وأنت، لعلّ أحدًا يسمعنا أو يفهمنا أو ينقذنا أو يستهدف إرضاء نفسه (أو ضميره) من خلالنا، أو يحاول -لا أعرف لماذا- أن يجد لنفسه ولوجوده في حياتنا دورًا "حقيقيا".

القاعدة الأولى: لا قاعدة. لا قواعد في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية سوى ما تقرّره هي، لا وقت الاتفاقات أو المساومات أو ما يصفه بعضهم بـ "الصفقات"، ولكن في هذه اللحظة، فقد يتغيّر الآن ما كان مُقرّرًا منذ ساعة زمن، لم لا؟ أنا التاجر الأميركي، اتفقت مع "الزبون" وقبضت الثمن، ثم تراجعت، وقبضت روحه، ماذا سيفعل؟ ماذا سيكتب بعد "وإلا"، وإلا ماذا؟ سيضربني؟ سيُهدّدني؟ سيغلق ممرّاته الملاحية في وجه بضائعي؟ سيحرمني من نفطه وغازه وأسواقه؟ سيبيع خدماته لغيري؟ "ماذا"؟

القاعدة الثانية: "أميركا مستعمر". قلها عشر مرّات قبل الأكل وبعده، أميركا مستعمِر، (بكسر الميم)، وأنت مستعمَر، (بفتحها)، لست صديقًا، ولا ندًّا، ولا حليفًا، ولا حتى تابعًا، بل أداة، ولن تُحصّل ما دون ذلك دون أن تجبرها عليه، فلا تتوّهم أننا نتوّهم أنك لست كذلك.

القاعدة الثالثة: "الأمان يُشترى بالقوّة وليس بالتنازلات". توشك الولايات المتحدة أن تنقش هذه القاعدة على أبواب البيت الأبيض وتطبعها على أوراق الدولار وعبوات الكولا، أين حسني مبارك ورفاقه؟ كم دفعوا؟ وكم رضخوا؟ وكم قدّموا من خدمات وتنازلات (وخيانات) سموها اتفاقات وتكتيكات وتأجيلات ووجدوا من يوهمهم أنّ أوهامهم سياسات حكيمة وعقلانية وواقعية، أين هم؟ هناك، حيث سيذهب كلّ من لا يستطيع حماية كرسيه بمواطنيه، وثرواته بسياساته الاستقلالية، وسمواته وأرضه وحدوده وأمنه القومي بقدراته، في القول والفعل والحركة والمواجهة، وتفعيل الأوراق، واختراعها، إن لم يجدها، أو كما قال أبو القاسم الشابي: "ومن يتهيّب صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الحفر".

القاعدة الرابعة: "أميركا لا تحمي سوى جنودها، وقواعدها لأمنها، لا لأمنك". وكذلك وعودها وتدخّلاتها ودعمها وقمحها ونصائحها الملزمة، كلّها تخدم مصالحها التي تتعارض بالتعريف مع مصالحك.

القاعدة الخامسة: "التحالف مع أميركا مؤقّت والابتزاز دائم". مَنْ الحليف الآمن؟ مَنْ الحليف المتقدّم؟ بل مَنْ الحليف المُحترم؟ حتى من سلّموا ثرواتهم وسياستهم لها، لم يَسْلَموا من تهديداتها وإهاناتها العلنية.

القاعدة السادسة: "إسرائيل هي القاعدة الأميركية الوحيدة التي لا تقبل الاستثناء". كلّ القواعد الأخرى مؤقّتة، وأوراق مساومة، ومحطات، أمّا إسرائيل فهي الطريق المُمتدّ، وهي جوهر المشروع الأميركي في المنطقة.

عزيزي القارئ الذي يشاركني الفرجة والكلام مع الحوائط، بما أنّنا اتفقنا على مبدأ الملل، واحترفنا مهنة العاطلين من العمل، (نربي الأمل)، كما يقول محمود درويش، فدَعني أكرّر عليك ما قلناه مرارًا، هل تذكر ميادين الربيع العربي؟ هل تذكر هذا الجيل الذي يسكن الآن السجون والمنافي والمصحات النفسية؟ هل تذكر من ماتوا فنجوا؟ هل تذكر أسئلتك الدائمة عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى ما فعلوا؟ ما رأيك في مشاهدة القمم العربية؟ ثمّ العودة إلى متابعة ضربات العدو في غزّة وسورية ولبنان واليمن… وقطر؟

هنا الإجابة… والإبادة.

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان