القمة الأفريقية الأوروبية .. لا شراكة مع الوصاية

القمة الأفريقية الأوروبية .. لا شراكة مع الوصاية

02 مارس 2022

في القمة الأفريقية الأوروبية في بروكسل (17/2/2022/Getty)

+ الخط -

انعقدت القمة الأفريقية الأوروبية، أخيراً، بعد عامين من التأجيل بداعي جائحة كورونا، في بروكسل، تحت شعار "أفريقيا وأوروبا .. قارّتان برؤية مشتركة حتى 2030"، الذي قدّمه الاتحاد الأفريقي بديلاً عن شعار الأوروبيين "تحالف أفريقيا - أوروبا". وبرّر الأفارقة تحفظهم عن كلمة "التحالف" بالفتور الذي شاب العلاقة بين القارّتين، فدلالة المصطلح من الناحية الجيوسياسية لا تتوافق مع واقع الحال. لذا دفع ممثلو القارّة السمراء باتجاه الدعوة إلى تجديد الشراكة، بدل الحديث عن التحالف.

انتهت أشغال القمة كما بدأت، من دون أن تترك صدىً أو وقعا، يرتقي بها إلى مصاف القمم؛ الثنائية أو متعدّدة الأطراف، التي تملأ الدنيا وتشغل الناس. لا سيما أنّها جمعت بين طرفين؛ أفريقيا وأوروبا، بينهما من عبق التاريخ وأواصر الجغرافيا ومشكلات الهجرة وكوارث الاستنزاف .. الشيء الكثير. لم تكن هذه النتيجة مفاجئة، بالنظر إلى الجفاء الكبير الذي تشهده العلاقات بين الدول الأفريقية والأوروبية. ناهيك عن تولي فرنسا، التي تعرف علاقتها توتّراً حادّاً مع بعض دول الساحل الأفريقي، الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، مطلع العام الجاري.

اعتبر الأوروبيون مطلب "الشراكة الحقيقية" مناسبةً لإعادة ترتيب الأوراق، وفرصة مواتية لبلورة استراتيجية جديدة، تصلح لإعادة قليل من المجد التليد إلى دول الاتحاد الأوروبي (المستعمِر)

على هذا الأساس، طالب الأفارقة نظراءهم الأوروبيين، لحظة إعداد مسوّدة البرنامج، بتجديد الشراكة، سعيا وراء أسس تعاون حقيقي متين، بدلا من الشعارات البرّاقة والعبارات المسكوكة، القابلة للتداول والاستهلاك الإعلامي، فقد خبِر أبناء القارّة السمراء في محطّات عديدة زيف تلك الشعارات، جديدها أخيراً خلال مواجهة جائحة كورونا إلى ما بعد اكتشاف التلقيح؛ فحتى لحظة انعقاد القمة لم تتعد نسبة الملقحين في أفريقيا 12% من السكان، مقابل نحو 71% من مواطني الاتحاد الأوروبي.

واعتبر الأوروبيون مطلب "الشراكة الحقيقية" مناسبةً لإعادة ترتيب الأوراق، وفرصة مواتية لبلورة استراتيجية جديدة، تصلح لإعادة قليل من المجد التليد إلى دول الاتحاد الأوروبي (المستعمِر) داخل دول القارة السمراء (المستَعمرات)، فقد تسبب ظهور لاعبين جدد في الساحة الأفريقية، يشتغلون بقواعد ومنطق مغاير، في إزاحة دول الاتحاد الأوروبي، من تصدّر قائمة الشركاء الاستراتيجيين لبلدان عديدة في القارّة الأفريقية. وما تعهد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي؛ بإدخال "إصلاح شامل" على العلاقة بين الاتحادين، خلال القمة السادسة لرؤساء دول الجانبين وحكوماتهما، سوى دليل على الوعي بمدى الشرخ الذي اعترى علاقتهم بالقارّة السمراء.

ما يطرح تحت مسمّى "استراتيجية شاملة مع أفريقيا" مجرّد بديل عن استراتيجية 2005، التي مثلت خريطة طريق لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا

واقعياً، لم تعكس مخرجات قمة بروكسل بين الاتحادين رغبة الأوروبيين الحقيقية في إصلاح الوضع، فما تطرحه الشراكة الجديدة، تحت مسمّى "استراتيجية شاملة مع أفريقيا" مجرّد بديل عن استراتيجية 2005، التي مثلت خريطة طريق لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا. ولا يرقى، لأكثر من سبب، إلى مستوى خطّة محكمة، قد تؤهل الاتحاد الأوروبي إلى استعادة مكانته داخل أفريقيا، في ظلّ موجة التكالب الجديدة على القارّة.

أولاً، صاغ الاتحاد الأوروبي هذه الشراكة؛ أو بعبارة أدقّ أعاد مراجعتها، باعتبارها صورة من صور الحرب الباردة المحتدمة، بين القوى الكبرى، على القارّة السمراء، فقد كشفت المفوضية الأوروبية، أواخر العام الماضي، عن مشروع "البوابة العالمية" كخطة لمناهضة مبادرة "الحزام والطريق الصيني" من خلال استثمار 300 مليار يورو عالمياً بحلول عام2027، خصّصت منها أكثر من 150 ملياراً لأفريقيا. وذلك كله بحثاً عن سبل لتأمين (وحماية) مصالح دول الاتحاد الأوروبي التي اهتزّت، أخيراً، في أكثر من دولة أفريقية.

ثانياً، طرح الأوروبيون الاستراتيجية الجديدة بناء على أجندات خاصة تتحرّك وفقها المؤسسات في بروكسيل، فالأولويات التي تؤطر السياسات الأوروبية بادية في معالم الخطة الجديدة، مثل: التحوّل الأخضر والتحوّل الرقمي والنمو المستدام والوظائف والسلام والحكم والهجرة .. صحيحٌ أنّها مجالات تحظى بنصيب من الاهتمام، في سياسات الدول الأفريقية. لكنّه قطعاً لن يكون بالترتيب نفسه بالنسبة للأوروبيين، فلدى دول القارّة السمراء قضايا أكثر استعجالاً وراهنية (الفقر، الأمن، التعليم، الصحة ..). هكذا يثبت الاتحاد الأوروبي الوفاء للتصوّر التقليدي، فالتغيير في لغة الخطاب، لم تواكب مراجعة للعقليات التي ترى القارّة مثل قاصر بحاجة إلى وصيٍّ عليه.

الاستراتيجية المعلن عنها في القمة بلا حوافز أساسية، مجرّد أرقام على ورق، مفتقدة تفاصيل كثيرة

ثالثاً؛ تواجه الشراكة الجديدة التي يراها الأوروبيون سُلما يبوئهم المنزلة التي يستحقونها في القارّة السمراء، مشكلة داخل أقطارٍ عديدة؛ فلا يتوقع أن تحظى بالترحيب في دول لدى شعوبها حساسية مفرطة من القوى الاستعمارية (دول شمال أفريقيا ودول الساحل مثلاً). كما أنّ تخلي الأوروبيين عن عديدين من حلفائهم التقليديين في أفريقيا، والاكتفاء إبّان سقوط هذه الأنظمة السياسية الحليفة بدور المتفرّج العاجز، رسخ فكرة سهولة "الخدلان الأوروبي" بين الزعماء الأفارقة.

تثار شكوك بشأن فاعلية الاستراتيجية المعلن عنها في القمة، فهي، من ناحية، بلا حوافز أساسية. إنّها مجرّد أرقام على ورق، مفتقدة تفاصيل كثيرة، وخطة واقعية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، على غرار الصين التي موّلت آلاف المشاريع، ضمن سقف زمني محدّد. ومن ناحية أخرى، تبقى مسألة اقتران الشراكة والتعاون في أعين الأوروبيين، بضرورة احترام الدول الشريكة مبادئ الديمقراطية وقيمها وثقافة حقوق الإنسان، حجر عثرة تدفع دول أفريقية كثيرة نحو شركاء آخرين (الصين، روسيا، اليابان، الهند ..) يتغاضون عن هذا الأمر، نظير حماية المصالح ونيل المكاسب وتحصيل الامتيازات.

ما سبق يجعل الاتحاد الأوروبي بين مطرقة الالتزام بمبادئه وسندان البحث عن مصالحه، فاهتمام الأوروبيين بأفريقيا ليس حباً في سواد أعين الأفارقة، بل للبحث عن تنمية اقتصادية ومجتمعية أفضل، سعيا إلى تحقيق الاستقرار في قارّة المستقبل، لضمان سلاسل التوريد بالمواد الخام أساس الصناعة الأوروبية، ولرغبة في وقف مسلسل الهجرة غير النظامية، بما له من تداعياتٍ تؤرّق قادة القارّة العجوز.

E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري