الفيل يا ملك الزمان

10 ابريل 2025
+ الخط -

ثمّة حوارات عادلة وأخرى ليست كذلك، ومنها أيّ حوار (أو نقاش) تكون فيه طرفاً مع بنيامين نتنياهو، وهو بوصف المعارضة الإسرائيلية يكذّب كما يتنفّس، وفاسد، وتحرّكه زوجته سارة، والاتهام الأخير شرق أوسطي بامتياز، ويبدو قادماً من الأحياء العشوائية في أطراف العواصم العربية، فبماذا يمكنك أن تردّ على رجلٍ هذا شأنه، عندما يقول في البيت الأبيض، إن غزّة مكانٌ محاصر، لكنّه ليس من يحاصرها (من إذن؟)، وإنه يسعى إلى "تمكين" الغزّيين من الخروج إلى بلدانٍ أخرى (من قال إنهم سيخرجون ومنعهم؟).

لم تعد المشكلة في نتنياهو منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بل في الأخير الذي يفكّر بالترشّح لولاية ثالثة "لتمكين" العالم من محبّته، الذي يستقوي على الضعفاء ويحب كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين، لكنّه (لحسن الحظّ) لم يُحبّ الفارّ بشّار الأسد، ووصفه بـ"الحيوان"، فأيّ حوار مع ترامب غير عادل، ونوع من الفخّ الذي ينصبه أفراد العصابات لا قادة الدول، ولك أن تتخيّل زعيماً عربياً يحاول إقناع ترامب بأن غولدا مائير، رئيسة الوزراء الوحيدة في تاريخ إسرائيل، كانت تحمل جوازَ سفر فلسطينياً، وأن بعض أشجار الزيتون في القرى والبلدان الفلسطينية أطول عمراً من إسرائيل، وأقدم من الولايات المتحدة نفسها، ومن العدل بالتالي الاعتراف بالحدّ الأدنى من الحقوق لهذا الشعب في أرضه لا في بلاد الناس.

الفرق بين غولدا ونتنياهو هو نفسه بين أيّ رئيس أميركي وترامب، فصحيحٌ أن غولدا ليست حمامة سلام، ولكنّها كانت تتصرّف باعتبارها رئيسةَ وزراء لا بلطجيّاً في سوق شعبية، فحتى لو صحّ أن إسرائيل لا تحاصر غزّة، فمن يقتل أهلها؟ وإذا كان يريد تمكينهم من مغادرة القطاع للإقامة في منتجعات دول مضيفة، أعدّت لهم مجمّعات سكنية في ضفاف الأنهار وحول البحيرات وفي رؤوس الجبال، فلماذا لا يمكنّهم أولاً من الحياة نفسها؟ لماذا لا يكفّ عن قتلهم، بل إبادتهم على رؤوس الأشهاد؟

لغولدا مائير مقولة شهيرة خضعت لبعض التعديل المُتعسِّف، تلوم فيها الفلسطينيين على إجبارهم إسرائيل على قتل أبنائهم، وتقول إنها لن تغفر لهم ذلك أبداً، ورغم أن هذا يصدُر من منطق وقح وفجّ، إلا أنه يختصر الأساس الأيديولوجي والأخلاقي الذي نشأت بموجبه إسرائيل، وهو احتكار دور الضحية، التي ليس من حقّك حتى أن تلومها على قتل الأغيار، وهو منطقٌ، يقول من دون تزويق، إنه عنصري وسادي عندما يتعلّق الأمر بمبرّرات وجوده، بينما يفتقر كلام نتنياهو لأيّ منطق، فهو كذب، ومجرّد كلام يُلقى أمام رئيس أميركي لا يريد أن يسمع، وإذا فعلها ففي حال كنت قوياً مثل بوتين، أو حتى أردوغان، أو ثرياً، وأنت في الحال هذه شخصٌ رائع ومحبوب وصديقه. أمّا عن القضايا وعدالتها، والضحايا وأنّاتها، فليس ثمّة مكان لها.

تزامنت تصريحات نتنياهو مع استقبال الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تناول عشاءً خفيفاً في وسط القاهرة القديمة مع السيسي، وتجوّل في الجمّالية وخان الخليلي، وعرّج على مقهى أمّ كلثوم، كما تلقّى السيسي وعبدالله الثاني مكالمة من ترامب، وهو يعرف أن غزّة محاصرة، والسيسي وعبد الله الثاني كذلك، ولعلّهما وضعا ترامب في صورة ما يبذلون لفكّ الحصار عن غزّة، أو على الأقلّ في صورة مساعيهم لاستئناف المفاوضات، لإدخال المساعدات الإنسانية لسكّان القطاع الذين يواجهون مجاعةً وشيكةً، ولكن هذا لم يدفع ترامب إلى مجرّد الابتسام ساخراً عندما قال نتنياهو إنه لا يحاصر غزّة، فالمشكلة في ترامب، الذي لم يجد سبباً لإعجابه بأردوغان سوى أن تمكّن من أخذ سورية. والحال هذه، أسبابه في حبّ إسرائيل أكبر، لأنها أخذت منصب الرئيس الأميركي نفسه إلى منطقة أخرى في أحد أحياء تلّ أبيب.

ماذا على السيسي أن يفعل مع تلميح نتنياهو إلى أن القاهرة تحاصر غزّة، ما دامت إسرائيل لا تحاصرها؟... لا شيء، فهو لم يفعل شيئاً، ولا يملك أن يفعل شيئاً سوى الإيعاز لخارجيّته بإعداد مقترح جديد لتبادل الأسرى، لعلّ نتنياهو يرضى، ما يُذكّر بمسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونّوس: فما تريدون أيها الشعب؟... لا شيء يا مولانا، ولكن أن نزوّج الفيل فيلةً حسناء تؤنس وحدته، وتُدخل السرور إلى قلبه الصغير.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.