العيد هلّ هلالُه؟

03 ابريل 2025

تلسكوب يرصد هلال العيد في مرصد في باندونغ في إندونيسيا (29/3/2025 فرانس برس)

+ الخط -

في كلّ عام، ومع اقتراب نهاية رمضان، تتّجه أنظار المسلمين نحو السماء، مترقّبين ظهور الهلال الذي يُعلن قدوم العيد. لطالما كان هذا المشهد تقليدياً، محمّلاً بالتساؤلات المعتادة: هل يُرى الهلال بالعين المجرّدة أم بالحساب الفلكي؟ هل نُوحّد الصيام والإفطار أم يبقى لكلّ بلد قراره؟... كان الاختلاف في الرؤية جزءاً من المشهد الإسلامي دائماً، لكنّه لم يكن يوماً بهذه الحدّة التي شهدناها هذا العام.
هذه المرّة، لم يكن الجدل مجرّد نقاش فقهي بين من يعتمدون الحسابات الفلكية ومن يصرّون على الرؤية البصرية، بل أصبح صراعاً سياسياً مكشوفاً بين دولٍ وكيانات، انعكس بوضوح على الشعوب التي خاض كثير منها (كما يبدو) معركةً شرسة في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ امتلأت المنصّات بالسخرية، والاتهامات، وبالتخوين أيضاً، وكأنّ العيد لم يعد مناسبةً للفرح، بل صار اختباراً للولاءات والمواقف.
لم يقتصر الأمر هذا العام على اختلاف التوجّهات الدينية، بل انقسمت الدول نفسها إلى معسكرين متعارضين، دول أعلنت رؤية الهلال وأكّدت ثبوت العيد، بينما رفضت دول أخرى الأمر تماماً، متسلّحة بالبيانات الفلكية والأحوال الجوية، التي يرون أنها تؤكّد استحالة رؤية الهلال في تلك الليلة. لم يعد الجدل حول الطريقة المثلى لإثبات الهلال، بل أصبح حول الحقيقة ذاتها، هل شوهد الهلال فعلاً أم هناك من تعمّد إعلان عيد مبكّر؟ هل الحسابات الفلكية حاسمة فعلاً، أم هناك إمكانية لرؤية الهلال رغم إعلان الفلكيين استحالة ذلك؟
لم يكن الاختلاف في السابق غريباً، فقد اعتادت المذاهب الإسلامية تبنّي رؤىً مختلفة في ما يتعلّق بثبوت الهلال، لكن الأمر خرج هذا العام من نطاقه التقليدي، فبدا واضحاً أن القرار لم يعد مجرّد اجتهاد ديني، بل أصبح موقفاً سياسياً، تستخدمه الدول أداةً لإثبات استقلالها أو تأكيد تبعيتها لمحور معين.
والنتيجة؟... شعوب مشوّشة، ومنقسمة، وغاضبة. في وسائل التواصل الاجتماعي، اشتعل الجدل، وتحوّلت المنصّات ساحات قتال بين من يسخرون من "هلال السياسة" ومن يتهكّمون على "علماء الفلك"، ومن يتهمون دولاً بعينها بالتلاعب بالدين لأغراض سياسية. كان المشهد مثيراً للدهشة، مسلمون يتبادلون الشتائم بسبب العيد، وكلّ طرف يعتقد أنه يدافع عن الحقيقة وعن الإسلام، بينما الحقيقة الوحيدة التي ظهرت هي أن الفجوة بين المسلمين تزداد اتساعاً حتى في أبسط تفاصيل حياتهم.
لكن من المستفيد من هذا كلّه؟ بالتأكيد ليس الناس الذين كانوا يأملون في عيد سعيد يجمعهم رغم الآلام بدلاً من أن يفرّقهم، وليس الدين الذي أصبح مادة للجدل والتوظيف السياسي، وليس وحدة المسلمين، التي تتآكل يوماً بعد يوم تحت وطأة الخلافات التي تتجاوز الدين لتغرق في وحل السياسة والمصالح.
ما يحدُث اليوم ليس مجرّد خلاف فقهي، بل هو انعكاسٌ لحالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها المنطقة، فكما تتصارع الدول على النفوذ والولاءات، باتت تتصارع على مواعيد الأعياد أيضاً. وكما تُستخدم وسائل الإعلام سلاحاً في هذه الصراعات، أصبحت رؤية الهلال أيضاً أداةً ضمن هذا المشهد، تُستخدَم لتأكيد الاستقلالية أو الانحياز إلى محور معيّن. لكن، في ظلّ هذا الانقسام الحادّ، أين تقف الشعوب؟
يبدو أن كثيرين من الناس أصبحوا عالقين بين هذه التجاذبات، يجدون أنفسهم مضطرين للانحياز إلى طرف من دون أن يدرك أن المشكلة الحقيقية ليست في رؤية الهلال، بل في الطريقة التي يتم استغلاله بها. ربّما يكون الحلّ في إعادة الأمور إلى نصابها، والعودة إلى روح الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى التيسير والتسامح، لا إلى التشدّد والانقسام. ربّما يجب على المسلمين أن يدركوا أن وحدة قلوبهم أهم من توحيد يوم عيدهم، وأن الفرح يجب أن لا يكون مشروطاً بالتوافق السياسي، بل بروح المحبّة التي يفترض أن يحملها العيد.
فهل يأتي يوم ينظر فيه المسلمون إلى الهلال، على أنه ليس مصدراً للانقسام، بل رمز للوحدة التي فقدوها؟... أم أن السياسة أقوى من الدين، حتى في رؤية هلال العيد؟!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.