العراق .. دعونا نتشبّث بالأمل

العراق .. دعونا نتشبّث بالأمل

22 ديسمبر 2021
+ الخط -

في جديد أخبار بغداد ثمّة جرعةٌ من أمل، قد تعيد إلينا الثقة في قدرة العراقيين على التغيير، بعد أن تجرّعوا كؤوس المرّ زمنا مديدا، اقترب من عقدين، عانوا خلاله من مشكلاتٍ وأزماتٍ لا أول لها ولا آخر، ولم تتح لهم فرصة تلمس الحلول، إذ لم تكن أمامهم سوى خيارات ضيقة ومحدودة لم تفضٍ إلى حل، ولم تضعهم على طريق التعافي، وكادت أن تُفقدهم ثقتهم بأنفسهم، في حين بات العراق "طويل الليل" كما وصفه المتنبي قبل أكثر من ألف عام، وجعلهم طول الليل هذا يفزعون بآمالهم الى الكذب، إذ يتعلقون بمشاريع إصلاح وتغيير وهمية، يطلقها لصوص وأفّاقون وحواة، يتنازعون أمرهم بينهم اقتساما للغنيمة، ثم لا يلبثون أن يتلبّسوا لباس التقوى والفضيلة عند صياح الديك.

جرعة الأمل هذه حملها لنا ثوار تشرين (أكتوبر 2019) إذ شرعوا في وضع أقدامهم على طريق استعادة الوطن، غير هيّابين من عظم المهمة التي أوكلوا أنفسهم لأدائها، ولا فزعين من تنمّر رجال "العملية السياسية" الذين التقطهم الأميركيون من الأزقة الخلفية لدول الغرب والجوار، وأوكلوهم حكم العراق. وإذا كان للثوار أكثر من موقف ووجهة نظر في التعاطي مع المتغيرات السياسية اليومية، فإن حصيلة كل تلك المواقف ووجهات النظر كانت تصبّ دائماً في مصلحة الوطن وفي خدمة أبنائه. وقد قاطع بعضُهم الانتخابات البرلمانية أخيراً على خلفية عدم توفر الاشتراطات اللازمة لجعلها عملية حرّة ونزيهة وشفافة، في حين رأى آخرون المشاركة فيها تحدّياً لطبقة الحكام الذين استأثروا بالسلطة على وفق هوى واشنطن وطهران، وبدا كما لو أنّ أحد الموقفين يكتمل مع الآخر.

الذين فازوا في الانتخابات من شباب ثورة تشرين، أو من المحسوبين عليها، شرعوا في اتخاذ خطواتٍ عمليةٍ لتكريس وجودهم في البرلمان المقبل معارضة فاعلة ونشطة

وفي جديد أخبار بغداد أنّ الذين فازوا في الانتخابات من شباب ثورة تشرين، أو من المحسوبين عليها، أو من معارضي العملية السياسية الطائفية الماثلة، شرعوا في اتخاذ خطواتٍ عمليةٍ لتكريس وجودهم في البرلمان المقبل معارضة فاعلة ونشطة، وقد أعلنوا عن تأسيس تحالف برلماني يحمل اسم "من أجل الشعب"، يضم 18 نائباً يمثلون حركة "امتداد" التشرينية و"حراك الجيل الجديد" الكردية المعارضة، كما توافقوا على إرساء مفهوم المواطنة الحقيقية، وألّا يقتربوا من كراسي السلطة، ولا يشاركوا في "اقتسام الكعكة"، وتلك أمورٌ تحسب لهم، وتضعهم في خانة العاملين على استعادة الوطن.

في جديد أخبار بغداد أيضاً ظهور حركات شبابية سياسية تجنّد نفسها لإحداث التغيير المطلوب، مثل "حركة اليسار الديمقراطي العراقي" و"المنظمة العربية للعمل من أجل الإنسان" اللتين اتحدتا، أخيراً، تحت اسم "اتحاد الطلائع اليسارية"، بهدف "بناء عراق حر ديمقراطي موحد"، ورأت هذه المنظمات في التحالف البرلماني "من أجل الشعب" خطوةً متقدّمةً على طريق تحجيم الأحزاب الفاسدة، ومحاسبتها على ما اقترفته بحق الشعب والوطن.

فشلت "الأحزاب الثورية" التي عرفها العراق في النصف الثاني من القرن الراحل، في السعي الى التغيير

قد يكون هذا "التململ الإيجابي" غير فاعلٍ بالقدر الذي يمكنه من إحداث التغيير المرجو، كما يرى بعضهم. لكن أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام، وقد يمكنه أن يشكل خطوةً أو خطواتٍ نحو نهوض عراقي طال انتظاره. وإلى ذلك، فهو يعكس فشل "الأحزاب الثورية" التي عرفها العراق في النصف الثاني من القرن الراحل، في السعي الى التغيير. راهن الشيوعيون على إقامة نظام ديمقراطي تحت الراية الأميركية، دخلوا "مجلس الحكم" الذي أقامه حاكم بغداد بول بريمر، والتحقوا في ما بعد بركب "التيار الصدري"، ولم يحصلوا على ما أرادوه، ثم قاطعوا الانتخابات البرلمانية، وفي مؤتمرهم أخيراً أعادوا قراءة "مزاميرهم" العتيقة عن "الوطن الحر" الذي لم يعد حراً و"الشعب السعيد" الذي أصبح شقياً بامتياز، وتفرّق البعثيون شيعاً وأحزاباً، وتبادلوا الاتهامات والشتائم التي وصلت إلى حد تخوين بعضهم بعضهم الآخر، وتخاصموا في ما بينهم على من له حقّ الظهور قائد ضرورة، وبقوا متمسّكين بطروحاتهم التي أدمنوها، وكأنّ الدنيا لم تتغير من حولهم. أما الباقون من قوى وشخصيات حملت يوماً راية التغيير فقد انكفأت هي الأخرى وتراجعت، ولم تعد تحمل سوى ذكرياتٍ عن زمن جميلٍ مر بسرعة البرق.

ألا يحق لنا بعد هذا أن نضع ثقتنا في شباب تشرين الذين شرعوا يضعون خطواتهم على طريق النهوض من دون منّة، ومن غير خوف، ألا يحق لنا أن نبارك خطواتهم، ونحن نشعر بالأمل في أن يحققوا لنا التغيير الذي نريده، وأن نستعيد من خلالهم وطننا الذي اغتصب؟

دعونا نتشبث بالأمل، إذاً!

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"