"العدالة والتنمية" المغربي بين تحدّي التجديد ومنطق الزعامة

27 ابريل 2025
+ الخط -

تُختتم اليوم الأحد، 27 إبريل/ نيسان، أعمال المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي سيعرف انتخاب قيادة الحزب التي ستدير شؤونه أربع سنوات مقبلة، ستتخللها استحقاقات انتخابية، حيث سيعرف المغرب تنظيم انتخابات تشريعية سنة 2026 تتبعها الانتخابات الجماعية السنة التي تليها. ومن هنا فإن الحزب الذي ترأس الحكومة عشر سنوات تقريباً واحتل الصدارة مرّتين، قبل أن يحتل المركز الثامن والأخير من بين الأحزاب المغربية الكبرى المعروفة، بـ13 مقعداً فقط من أصل 395، متقدّماً على أربعة أحزاب صغيرة حصلت مجموعة على عشرة مقاعد، في أكبر هزيمة للحزب في تاريخه، إذ إنه لم يحصل على نتيجة أسوأ إلا في أول مشاركة له في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، علما أنه لم يشارك آنذاك في كل الدوائر الانتخابية، وأرغمت هذه النتيجة الأمانة العامة السابقة برئاسة سعد الدين العثماني، الذي قاد الحزب والحكومة بعد إعفاء الملك محمد السادس عبد الإله بنكيران أوائل سنة 2017 بعد فشله في تكوين ائتلاف حكومي في ما سُميت مرحلة "البلوكاج" أو الانسداد السياسي، على الاستقالة.

يأتي المؤتمر التاسع بعد عودة بنكيران إلى قيادة الحزب، وهو الذي بقي نائياً بنفسه عن المشاركة في مؤسّسات الحزب، مكتفياً بالانتقاد من بعيد إبّان قيادة العثماني، لتجديد دمائه وإحياء ما تبقى منه، لعله وعسى يسترجع جزءاً من أمجاده، فالنتائج الانتخابية التي حصل عليها الحزب سنتي 2011 بـ107 مقاعد ومليون وواحد وثمانين ألف صوت و2016 بـ125 مقعداً، لكن بأكثر من نصف مليون صوت إضافي، دفعت أغلبية أعضاء الحزب إلى اختيار بنكيران مرة ثالثة بنسبة تجاوزت أربعة أخماس الأصوات، آملين أن يُرجع للحزب وهجه وبريقه، ولحمته وتآلفه، وعزته وكرامته التي مرّغت في التراب في آخر الانتخابات دون أن يقدر الحزب على الاحتجاج علناً ضد سلطة وزارة الداخلية، واكتفى بالقول إن نتائجه غير مفهومة، لكنها في الحقيقة كانت نتائج مفهومة وشبه منتظرة، بل مدروسة ومخططاً لها.

لا يعود هذا المقال إلى تحليل الأسباب التي عجلت بهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب في سبتمبر/ أيلول 2021، ولكن يمكن أنها كانت ثلاثية الأبعاد: ذاتية تعود بالأساس إلى الخلاف والشقاق الذي وقع داخل الحزب وانقسامه مع تراجع منسوب الثقة، ما أدّى إلى انخفاض حاد في الحوافز وارتفاع كبير في نسبة الفتور بين المناضلين. موضوعية، بالنظر إلى مدّة حكمه عقداً والنتائج المحصول عليها، خصوصاً أن الإصلاحات الهيكلية التي قام بها الحزب أصابت قاعدته الانتخابية في الصميم، ووجهت ضربة مباشرة إلى كتلة ناخبيه من الطبقة المتوسّطة، ما أدى إلى عزوفها عن المشاركة في الانتخابات؛ ثم أسباب خارجية تمثلت بالمحيط العربي الذي عرف نجاح الثورات المضادة من دون أن يُنسى تغيير القانون الانتخابي، وما رافقه من مخطّطات لإضعاف الحزب والحد من سيطرته أتت أكلها بطريقةٍ فاتت حتى توقعات من خططوا لها.

السياسة مبنية على قضاء مصالح العباد، ورهينة بالحصول على نتائج تسهم في تنمية شاملة وتحسّن من وضعية المواطنين الهشّة

مع تصاعد حالة السخط والغضب في ظل تجربة حكومية جعلت كثيرين يتأسفون على المرحلة السابقة، ويتمنون رجوعها بالرغم من نقائصها، وبالنظر إلى غياب بروز أحزاب جديدة تقدم بديلاً معقولاً للأحزاب الكبرى الموجودة كلها في الساحة، وجميعها مرّ من دهاليز السلطة، وشارك في حكومات سابقة، لم يبق للناخب المغربي إلا الاغتراف من صحون ما تبقى وترهل من أحزاب المشهد السياسي المغربي. وبالنظر إلى التموضع الخاص لحزب العدالة والتنمية حزباً ذا مرجعية إسلامية مرّ بتجربة حكومية تسمح للمتابع حالياً، وليس سلفاً، القيام بمقارنة حقيقية عملية وعلمية بينه وبين الأحزاب الأخرى. ثم لا ريب أن الاعتقالات والمتابعات القضائية الجارية في قضايا فساد مالي وإداري مسّت عشرات المنتخبين الذين يتابعون اختلاس الأموال العامة والرشوة، أغلبهم ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحكومي، وآخرون ينتمون إلى بعض أحزاب المعارضة، ليس منها الحزب الإسلامي، يعطي لهذا الأخير مصداقية وحججاً عند الحديث عن نزاهة منتخبيه ومناضليه.

بيد أن السياسة مبنية على قضاء مصالح العباد، ورهينة بالحصول على نتائج تسهم في تنمية شاملة وتحسّن من وضعية المواطنين الهشّة الذين قد يفضلون السارق والمرتشي الناجح إذا قضى حوائجهم، على النزيه الفاشل الذي لا يفيد ولا يستفيد.

يقتضي التجديد المطلوب تغييراً في الرؤية وفي الرسالة اللتين يحملهما حزب العدالة والتنمية، لا في القيم التي يؤمن بها ويعمل بمقتضاها

وقد كنت أعجب عندما كنت منتمياً إلى هذا الحزب (قبل أن أغادره لأسباب عدة)، من فخر عديدين من منتخبيه بتحقيقهم فائضاً في ميزانياتهم، وكنت عندئذ أعيش تجربة أخرى، نائب عمدة جنوب باريس، وكنا نعيش على الديون، بالرغم من غنى المدينة وغنى منطقة باريس، إذ إن كثرة المداخيل لم تكن تفي بحاجة كل المشاريع المطروحة، فأقارن وأتساءل: كيف لهؤلاء أن يحققوا فائضاً مالياً في مدنهم وقراهم، وهي ما زالت تحت وطء فقر البنية التحتية وانعدام بعض المرافق العمومية؟

من هنا، وبالرغم من تحيين أطروحة الحزب السياسية والورقة التي سيصدّق عليهما مؤتمره العام، فإن الحاجة ماسّة أيضاً إلى تحيين القيادة والانتقال من جيل التأسيس والقيادة التاريخية التي جاءت من رحم حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية، إلى جيل مجدّد جديد منفتح على كل تيارات الشعب المغربي، والانتقال من حزبٍ ذي مرجعية إسلامية تجمع كل المغاربة، ومن المفترض أنها مرجعية كل الأحزاب بحكم الدستور المغربي، إلى حزبٍ محافظ لا يتنكّر لمرجعيته، لكنه يترجمها عبر برامج وخطط تميّزه عن غيره، وإلا فما القيمة المضافة؟ إذ إن محاربة الفساد والمحسوبية وشراء الذمم وتضارب المصالح واستغلال النفوذ، وإن كانت أصيلة أصالة المرجعية، فهي ليست حصراً عليها، فهي من المشترك الأخلاقي الإنساني، بغض النظر عن الانتماء الديني أو السياسي أو الثقافي، فهي إن تكن محرّمة شرعاً، فهي ممنوعة قانوناً عند كل الملل والنحل. وينطبق الأمر نفسه، حينما نتحدث عن النزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية، فهي مبادئ لا تتحقق بالشعارات فقط، بل تتجسّد من خلال الممارسة الفعلية والإرادة السياسية الصادقة والقدرة على التنزيل والتطبيق، وهنا تكمن العوائق.

يقتضي التجديد المطلوب تغييراً في الرؤية وفي الرسالة اللتين يحملهما الحزب، لا في القيم التي يؤمن بها ويعمل بمقتضاها وتعتبر بوصلته الأخلاقية، وهذا التجديد لا مناص من أنه يتطلب بالضرورة تجديداً في الرجال الذين سيشرفون عليه، لا بد له من رجالاته. وهذا لا يعني قطيعة مع الماضي، بل انتقالاً سلساً مدروساً قد يبدأ مع هذا المؤتمر يجمع بين منطق الزعامة المرغوبة والمطلوبة وتحدّي التجديد الضروري والمُلح، لكن هذا يستلزم جرأة في القرار، وانفتاحاً على كفاءات جديدة قادرة على حمل المشروع السياسي إلى أفقٍ أوسع وأكثر تأثيراً.

باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
عمر المرابط
مهندس معلوماتيات، باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية، نائب عمدة سابقا في الضاحية الباريسية.
عمر المرابط
The website encountered an unexpected error. Please try again later.