العدالة لشيرين تتطلب عقوبات على إسرائيل

العدالة لشيرين تتطلب عقوبات على إسرائيل

29 مايو 2022
+ الخط -

حاصرت التحقيقات المستقلة في حادثة اغتيال الصحافية الشهيدة، شيرين أبو عاقلة، الأكاذيب والروايات الإسرائيلية الرسمية. ولم يقتصر الاستنتاج أن جيش الاحتلال الإسرائيلي هو مرتكب جريمة الاغتيال على التحقيق الفلسطيني، بل تضمّنته تحقيقات فريق محطة الجزيرة نفسها، ومحطة CNN الأميركية المعروفة، وتقرير فريق أسوشييتد برس (AP)، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، بل سيكتشف المتتبع للروايات الإسرائيلية الست بشأن الحادث، وهي متناقضة، أنها تؤكّد مسؤولية جيش الاحتلال عن الجريمة، خصوصا أن البيان الأول الذي صدر عنها وجرى سحبه بسرعة من المواقع الرسمية الإسرائيلية، أكّد أن جيش الاحتلال قام، في توقيت اغتيال شيرين نفسه، بتصفية فلسطينيين وصفهم بـ"الإرهابيين"، ثم سارع إلى سحب روايته بعد أن اتضح أن المقصود هو شيرين أبو عاقلة وزميلها الصحافي علي السمودي. وكشفت التحقيقات والأدلة القاطعة، بما في ذلك الفيديوهات المصوّرة، ونماذج المحاكاة الدقيقة، و شهادات من عايشوا الحدث وكانوا في موقع الاغتيال، أن نيران الاغتيال انطلقت من رصاص قنّاص كان في دورية للاحتلال الإسرائيلي على بعد حوالي 180-200 متر من موقع اغتيال شيرين.

الحقائق إذن واضحة كوضوح الشمس في يوم صيفي، ولن تستطيع إسرائيل التهرّب منها، رغم محاولاتها الإعلامية والدعائية الرخيصة، لكنها ستحاول، وبدعم من حلفائها، التهرّب من نتائجها وتبعاتها. ومن المهم هنا تأكيد أن اغتيال شيرين أبو عاقلة كان نتيجة مباشرة لتعليمات رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بينت، باطلاق يد الجيش والمخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية لإطلاق الرصاص بحرية، ومن دون قيود، على الفلسطينيين. وهي تعليماتٌ بدأ بينت بإصدارها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكرّر إصدارها لاحقا أكثر من مرّة في إبريل/ نيسان.

لم تكن شيرين أبو عاقلة ضحية لرصاص ضابط أو جندي إسرائيلي مجرم فقط، بل كانت أيضاً ضحية لمنظومة احتلال واضطهاد وتمييز عنصري تمارسها إسرائيل ضد شعبٍ بكامله

ولم يكن اغتيال شيرين معزولاً عن مجمل السلوك الإسرائيلي الذي أودى بحياة 55 صحافياً منذ عام 2000، ولم يتورّع عن قتل أطباء ومسعفين، ومدنيين بينهم أطفال، منهم 67 طفلاً قتلهم القصف الإسرائيلي في مايو/ أيار من العام الماضي في أثناء العدوان على قطاع غزة، وآخر الضحايا كان الطفل غيث يامين في نابلس، والفتى أمجد فايد في مخيم جنين، والفتى محمد زكارنة في جنين أيضا، وأعمارهم لم تتجاوز 16 عاماً، ومنهم الطفل محمد مطوّر الذي فقد عينه نتيجة إطلاق جيش الاحتلال النار عليه مباشرة. وجيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه منع الطفلة فاطمة المصري، وعمرها 19 شهراً، من عبور قطاع غزة إلى الضفة الغربية لإجراء عملية في القلب، ما أدى إلى وفاتها، مثل مئات الفلسطينيين المحرومين من العلاج الطبي بسبب قيود الاحتلال. كما يعاني مرضى السرطان في قطاع غزة الأمرّين قبل الوصول إلى العلاج، علماً أن سلطات الاحتلال ترفض حوالي 40% من طلبات العلاج خارج القطاع.

لم تكن شيرين أبو عاقلة ضحية لرصاص ضابط أو جندي إسرائيلي مجرم فقط، بل كانت أيضاً ضحية لمنظومة احتلال واضطهاد وتمييز عنصري تمارسها إسرائيل ضد شعبٍ بكامله على امتداد 74 عاماً. ومثّل الاعتداء الدنيء على جنازتها، داخل باحة المستشفى الفرنسي في القدس، تجسيداً صارخاً لمنظومة التمييز العنصري الإسرائيلية التي لا تعدّ الفلسطيني بشراً، أو إنساناً مساوياً في الحقوق الإنسانية، ولا تحترم كرامة الشهيد أو الميت وهو يشيع إلى مثواه الأخير. ولذلك، يجب ألا تقتصر العدالة لشيرين على محاسبة الجنود والضباط المسؤولين عن اغتيالها ومعاقبتهم، وأولئك المشاركين والمسؤولين عن الاعتداء على جنازتها، بل يجب أن تمتدّ لمعاقبة المنظومة الإسرائيلية بكاملها وفرض المقاطعة والعقوبات عليها، حتى تنهي احتلالها غير الشرعي للشعب الفلسطيني ونظام الأبارتهايد العنصري الذي تستخدمه ضدّه، تماماً كما جرى لنظام الفصل والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا. ويشمل ذلك فرض المقاطعة السياسية، والاقتصادية، والأكاديمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، على منظومة الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلية، ويعني ذلك إنهاء علاقات التطبيع التي أقدمت عليها بعض الحكومات العربية مع إسرائيل. ويتطلّب كذلك ممارسة الضغوط على محكمة الجنايات الدولية لفتح التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، وآخرها جريمة اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة.

ما من وفاء أفضل لروح الشهيدة من إبقاء قضيتها حية حتى تتحقق العدالة لها، ولشعبها الفلسطيني

 

ومن اللافت للنظر أن 141 دولة مارست ضغوطاً على مدّعي محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيقات في أوكرانيا، خلال شهرين من الحرب فيها، ولم نسمع بأن دولة واحدة مارست ضغطا مماثلاً، باستثناء فلسطين، على المحكمة ذاتها، للبدء بالتحقيق في جرائم قدّمت وثائق تثبت وقوعها على مدار 13 عاماً، كما أشارت الكاتبة عائشة البصري في مقالها "احتجاج مطلوب على صمت كريم خان عن جرائم إسرائيل" في "العربي الجديد".

والأمر الأهم، كان وما زال، عدم السماح للمجتمع الدولي بمواصلة سياسة الكيل بمكيالين، واستخدام المعايير المزدوجة كلما تعلق الأمر بفلسطين، وعدم السماح لإسرائيل ومناصريها باستخدام الزمن وسيلة لتهميش وإضعاف قضية شيرين أبو عاقلة. وما من وفاء أفضل لروح الشهيدة من إبقاء قضيتها حية، حتى تتحقق العدالة لها، ولشعبها الفلسطيني الذي أحبته بكل جوارحها، ودافعت عن قضيته، حتى وهي شهيدة محمولة على الأكتاف.

مصطفى البرغوثي
مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، طبيب وناشط وكاتب وأحد مؤسسي المقاومة الشعبية ومؤسسات في المجتمع المدني الفلسطيني. انتخب عضوا في المجلس التشريعي عام 2006 وكان مرشحا في انتخابات الرئاسة في 2005 وحل ثانيا. رشح لجائزة نوبل للسلام.