الطريق إلى موسكو

الطريق إلى موسكو

23 ابريل 2022
+ الخط -

قليلاً ويخرج الاجتياح الروسي أوكرانيا عن جغرافيته الحالية، مطاولاً دولاً أخرى، خصوصاً البلطيق (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا) والشمال الأوروبي (تحديداً فنلندا والسويد). أطلقت روسيا الرصاصة الأولى في 24 فبراير/ شباط الماضي، مع بدئها غزو جارتها الغربية، لكنها لن تتمكّن من ضرب الرصاصة الأخيرة في المستقبل. بات مصيرها مرتبطاً بمن يقبض على الزناد لإطلاق "رصاصة الرحمة"، ولن تكون هي بطبيعة الحال. كل المؤشّرات تدلّ على أن العودة إلى وضعية ما قبل 24 فبراير الماضي لم تعد أمراً واقعياً، سواء في العلاقات بين روسيا والغرب، أو بين روسيا وأوكرانيا. في السابق، كان في وسع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتماد على غضّ نظر المعسكر الغربي لفرض نفوذه في الشيشان وجورجيا، غير أنه الآن بات غير قادر على التحكّم بمستقبله ومستقبل بلاده. خروج الأمور عن السيطرة بالنسبة إلى موسكو يعني توسيع مدار الجبهات العسكرية والسياسية، في موازاة تدهور اقتصادي وتململ شعبي بين الروس.

يُمكن قول الكثير عن التجارب العسكرية الروسية الأخيرة والتهديدات واسعة النطاق "لكل من يجرؤ" على تحدّي موسكو، لكن الواقع يبقى مغايراً لحقائق عديدة. الأولى، أن اعتقاد روسيا أن الأوروبيين سيستمرون بالاعتماد على الطاقة الروسية ظنّ خاطئ، ففي نهاية العالم الحالي ستختلف الأمور جذرياً عن الفترة الجارية. الأوروبيون على درب التخلّي الجزئي أو الكامل عن الغاز والنفط الروسيين. وهو ما يعني شبه انعدام لسوق الطاقة الروسية في القارّة العجوز، والبحث عن البدائل في باكستان أو الهند ليس بهذه السهولة، فضلاً عن أن التركيز على تموين الصين بالطاقة يعني وضع موسكو تحت رحمة بكين.

الحقيقة الثانية، أن الطرف الذي لا يتمكّن من حسم حرب بمثابة "نزهة" مع دولة وُصفت بـ"الضعيفة"، لن يتمكّن من حسم أي حرب مع دول أخرى. لا يُمكنك الانتقال من قتال إلى آخر، أو توسيع رقعة المعارك العسكرية، من دون تحقيق حسم محدّد يُتيح لك التوسّع. بعد شهرين على غزو أوكرانيا، تبدو المكتسبات الروسية أضعف بكثير مما كان يرغب به بوتين، بل أضحى الأوكرانيون، ومن خلفهم الدعم الغربي، أكثر شراسة في القتال. في الواقع، حين تكسر جدار الخوف يُمكن فعل الكثير. كان الأوكرانيون يخشون الروس بشدّة، إلا أن صمودهم أمام الزحف الروسي أدى لاكتسابهم الثقة، ومنحهم شعوراً بأن النصر سيكون حليفهم ولو على أنقاض بلاد مدمّرة. والروس أكثر من يعرفون ذلك في ستالينغراد (فولغوغراد حالياً) ولينينغراد (سان بطرسبرغ حالياً).

الحقيقة الثالثة، أن حلف شمال الأطلسي آخذ في التوسّع في بقعٍ كانت محرّمة عليه. السويد وفنلندا لن تتأخرا في الانضمام إليه، ما سيفرض تغييراً جوهرياً في الموازين، ويوسّع احتمالات الاحتكاك المباشر بين "الأطلسي" وروسيا من القطب الشمالي إلى البحر المتوسط، بعدما كان من البلطيق إلى المتوسط.

الحقيقة الرابعة، أن على الروس، تحديداً بوتين، إدراك أن هناك أمراً سيحصل وسيصل فيه الغرب إلى قلب موسكو. ليس بالضرورة أن يكون الأمر عسكرياً. الحقيقة الخامسة، تتجلّى في أن التعاطي مع الروس مختلف عن التعاطي مع دول تُعدّ أصغر حجماً وتأثيراً. الغرب يعلم أنه لا يُمكن رمي روسيا خارج الكوكب، لكنه يدرك أيضاً أن روسيا تجاوزت، بالنسبة إليه، خطوطاً حمراً، لا يمكنه التسامح بشأنها. وهنا يجب التوضيح أن السلوك الغربي لا يعني أنه محقّ، لكنه يعني أن انتصاره في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وتثبيته الانتصار وفق أسسٍ سياسيةٍ، واقتصاديةٍ لاحقاً، أكبر من أن تهزمه روسيا بقواعد اللعبة حالياً.

كيف يُمكن لبوتين أن يخرُج فائزاً في نهاية المطاف؟ هنا الحقيقة المرّة: لن ينتصر. وروسيا التي أعادها إلى العالم في بدايات عهده في عام 2000، سيخرجها منه في نهايات هذا العهد. الباقي أمنيات ورغبات.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".