الصحراء وفلسطين وما بينهما

الصحراء وفلسطين وما بينهما

17 ديسمبر 2020

مغاربة يتظاهرون في الرباط ضد أي علاقات عربية مع إسرائيل (29/11/2020/الأناضول)

+ الخط -

يثير قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء عدة أسئلة. يتعلق بعضها بتوقيته الذي يتصادف مع الأزمة السياسية التي تشهدها الولايات المتحدة نتيجة رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في الاقتراع الرئاسي، وبعضها الآخر يتعلق بالطبيعة القانونية لهذا القرار الذي يبقى بحاجةٍ لمصادقة مجلس الشيوخ كي تترتب عنه آثار قانونية وسياسية ملموسة. هذا إضافة إلى أنه قد يجعل ملف الصحراء المغربية أكثر ارتهاناً للتقاطبات الدولية، سواء داخل مجلس الأمن الذي يدعم ''حلاً سياسياً عادلاً ودائماً ومقبولاً من الطرفين''، أو في منطقة الساحل وجنوب الصحراء التي تشهد نشاطاً متنامياً للتنظيمات الجهادية العابرة للحدود.

ويمكن القول إن الدبلوماسية المغربية نجحت، نسبياً، في الاستثمار السياسي والإعلامي لأحداث معبر الكركرات، وإيجاد رأي عام داخلي مساند، ومستعد (وهنا مربط الفرس) لرفع جزء من الحرج الذي وجدت نفسها فيه، بسبب الربط بين اعتراف ترامب بمغربية الصحراء والتطبيع مع إسرائيل. ويُرتقب أن تعمل هذه الدبلوماسيةُ على استخلاص العائد السياسي لقرار ترامب، من خلال ضمان أن تتبنّاه إدارة جو بايدن، وتدويره داخل مختلف مواقع القرار الأميركي. وإذا كان ذلك قد لا يثير صعوباتٍ كبرى، بالنظر إلى العلاقة الجيدة التي تجمع بايدن باللوبيات الإسرائيلية التي يُفترض أنها ستعمل على تحصين قرار ترامب، فإن البحث عن دينامياتٍ دوليةٍ تتيح تعديل مقاربة الأمم المتحدة للملف يشكّل أبرز رهان أمام المغرب، ليس فقط بسبب الأهمية المركزية التي تكتسيها قضية الصحراء بالنسبة للمغاربة، ولكن أيضاً لأن ثمن هذا القرار كان غالياً ومكلفاً من ناحية أخرى؛ يتعلق الأمر بمقايضة هذه القضية بقضية فلسطين التي يعتبرها المغاربة قضية وطنية، وهي المقايضة التي لا تستقيم لا أخلاقياً ولا سياسياً، فإسرائيل لم تغيّر، يوماً، من سياستها العنصرية القائمة على التهويد والاستيطان وتدمير البيوت ومصادرة الأراضي، ولم تُبد أي استعدادٍ للانخراط في سلامٍ شاملٍ يضمن الحقوق الفلسطينية أو بعضها على الأقل، على الرغم من التنازلات المُرّة التي قدمها الجانب الفلسطيني.

تبدو هذه المقايضة وكأنها تساوي بين سيادة المغرب على صحرائه، التي يمكن بأي حال المساومة عليها، والاحتلال الصهيوني لفلسطين. ولذلك نفهم الحرص الرسمي الدالّ على موازاة الترحيب باعتراف ترامب بمغربية الصحراء بالتأكيد على أن ذلك لن يكون على حساب القضية الفلسطينية، وحصرِ التطبيع في إعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي الذي أغلق سنة 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ولعل التنزيل الإعلامي الذي واكب هذه الصفقة ربما يعود إلى الرغبة في ترك باب العودة مفتوحاً، في حالة إخفاق واشنطن في تعديل المقاربة الأممية وجعلها أكثر تناغماً مع الطرح المغربي للملف، خصوصاً أن بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا وفرنسا) قد لا تدع الموقف الأميركي المستجد يفرز امتداداته داخل المجلس، على اعتبار أنها مستفيدة من الوضع القائم الذي يضمن لها الاستمرار في اللعب على الحبلين، المغربي والجزائري، في الوقت نفسه.

الانعراج بقضية الصحراء من سردية الحقوق المغربية التاريخية نحو متاهة التطبيع مع إسرائيل قد يُخرجها من سياقها الإقليمي، ويزجّها في دوّامةٍ من التقاطبات الدولية التي قد لا تقوى الدبلوماسية المغربية على تطويقها والتحكّم فيها مستقبلاً.

من ناحية أخرى، يَدقُّ التحاق المغرب بالدول العربية المطبعة مع إسرائيل مسماراً آخر في نعش النظام الإقليمي العربي الذي يتهاوى بطريقة دراماتيكية. وقد كان لأنظمةٍ بعينها دور في هذا الوضع المثير للشفقة، وفي مقدمتها النظام العسكري الجزائري الذي لم يأل جهداً، طوال العقود المنصرمة، في الوقوف ضد الوحدة الترابية للمغرب، وإنهاكه بدعمه السياسي والمالي واللوجستي لجبهة بوليساريو، في تعارضٍ سافرٍ مع تطلعات شعوب المنطقة نحو التنمية والاستقرار. 

ما يبعث على الحسرة أن ما يحدث يصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني الذي ينتقل، بسلاسة يُحسد عليها، نحو أطوارٍ غير مسبوقة في تنزيل مخططاته الرامية إلى الهيمنة على شعوب المنطقة، فهو يحصل على مكاسب استراتيجية كبرى من دون أن يقدم ولو تنازلاً واحداً يحفظ الحقوق الفلسطينية والعربية.