السلاح والسياسة

21 يناير 2025
+ الخط -

في الكواليس السياسية والإعلامية من 7 إبريل/ نيسان 2005 إلى 20 مايو/ أيار 2006، التي تولّى خلالها إبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء في العراق، كان الكلام عن الحسابات المتعارضة عند كلّ الأطراف في تلك الفترة، وأدّت الى تفجّر أحداث العنف الطائفي بصورة غير مسبوقة في مطلع 2006، خلال ولاية الجعفري.
واحدة من هذه الحسابات المتعارضة، التي ثبت لاحقاً أنها كانت رهاناً خاطئاً، أن حزب الدعوة الاسلامية الحاكم لم يكن يرى ضرورةً بتصفية "جيش المهدي"، الذراع العسكرية للتيّار الصدري، بل حاول الاستفادة منه، لتقوية حزب الدعوة إزاء خصم شيعي قوي في تلك الفترة؛ المجلس الأعلى الإسلامي.
في أرض الواقع، غاب حزب الدعوة طويلاً عن الساحة العراقية، وصفّى نظام صدّام حسين خلال ربع قرن القاعدة الشعبية لهذا الحزب تماماً، وحين جاءت كوادره بعد 2003 فوجئت بأن نصف الساحة الشيعية كان معبّأ أصلاً للتيّار الصدري، والنصف الآخر لـ"المجلس الأعلى"، الذي ظلّ على تواصل مع الجنوب بمختلف الأشكال.
لاحقاً، جرى النظر إلى سلاح الصدريين أنه جزء من القوّة الشيعية غير الرسمية، التي يمكن أن توازن عنف الجماعات السُنّية المسلّحة. حتى عمليات الانتقام الطائفي التي تورّطت فيها مجموعات منسوبة إلى الصدريين كانت تُفهم أنها ردع مناسب للطرف الآخر.
كان النظر منذ البداية بعين واحدة إلى بناء الدولة وجهازها العسكري والأمني، أمّا العين الأخرى فتنظر إلى بناء سلاح سياسي يستند إليه هذا الطرف أو ذاك في صراعه مع الخصوم المغايرين له مذهبياً، أو حتى داخل المذهب الواحد.
حتى في صراع رئيس الوزراء اللاحق الصريح مع الصدريين بعد "صولة الفرسان" في مارس/ آذار 2008، لم ينته الأمر إلى اتّكاء الطبقة السياسية على سلاح الدولة، وإنما ذهب المالكي، كي ينقذ مستقبله السياسي، لدعم المجموعات المنشقّة عن الصدريين، ما أدّى، في نهاية المطاف، إلى ارتهان جزء مهمّ من قراره السياسي لهذه المجموعات.
ظلّ السلاح خلال هذه المحطّات كلّها لاعباً سياسياً مهمّاً. لهذا ليس إنهاء وجود أيّ سلاح اليوم بالقرار الهيّن، ودعوة المليشيات إلى ترك السلاح والانخراط في العمل السياسي أمرٌ يثير سخرية بعضهم، لأن هذا الطرف المسلح، بنزع السلاح لن يستطيع أن يضع أوراقاً قوّية على طاولة المفاوضات السياسية. كما أن الدعوة إلى الاحتماء بسلاح الدولة قد تعني الدعوة إلى الاحتماء بالقوّة السياسية المتحكّمة برئاسة الوزراء، التي تقبض على سلاح الدولة.
يدعو مقتدى الصدر (في مناسبة وأخرى) إلى حلّ جميع الفصائل المسلّحة، ويتعهد بأن يكون سلاح "سرايا السلام" أوّلهم، إن جرى اتفاق من هذا النوع، ولكن الأطراف الأخرى التي تستمع لكلام الصدر تفهم أن هناك اختلافاً جوهرياً بين الطرفَين. فحتى لو نزع جميع أفراد "سرايا السلام" سلاحهم، إلا أنهم ليسوا مُجرَّد قوّة عسكرية، وإنما اجتماعية، وهي المجموعة الشيعية الأكثر تنظيماً وولاءً، وبإشارة واحدة يمكن أن ينتظموا في أيّ تشكيل جديد. بينما لا تمتلك بقية الفصائل قاعدةً شعبيةً مماثلةً، ولا تستطيع إعادة تنظيم صفوفها من دون وجود السلاح أصلاً، والمنافع التي يجلبها السلاح.
الاستجابة لدعوة الصدر تعني التسليم بالصدر قوةً كبرى، وهذا ما لا تستطيع الفصائل تقبّله، وما هو أهم؛ تلك التيّارات والأحزاب التي تخشى أن يبتلعها الصدر، وتفضّل الاحتماء بظلّ سلاح المليشيات، حتى إن لم تكن متحكّمة بهذا السلاح.
إن الشيء الذي فقد خلال الطريق منذ 2003 عند هذه الطبقة السياسية؛ الإيمان بأن الدولة، وتقوية مؤسّسات الدولة القانونية والأمنية، وحدها من يحمي جميع السياسيين، ويحمي الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية للبلد بالمجمل. وإن افترضنا أن الأشهر القادمة ستمرّ من دون تغييرات عاصفة تأتي من الخارج، فإن الطريق الذي يسير فيه العراق اليوم لن يؤدّي إلا إلى نتيجة واحدة؛ انفراد طرف سياسي مسلّح واحد بالمشهد، وإجبار الجميع على الانتظام بالسير على وقع خطوات هذا الطرف المنتصر.

أحمد سعداوي
أحمد سعداوي
كاتب وروائي عراقي