الرمزية قاتلة السياسة في انتخابات أميركا

23 أكتوبر 2024

(Getty)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

أحوال الأميركيين ذوي الأصول العربية و/أو المسلمة قبل 13 يوماً من حلول موعد انتخابات الرئاسة توحي بأن الفعالية السياسية ستكون أكبر الضحايا هناك، بسبب خطوات رمزية تضرّ بمصالحهم، أفراداً وجماعات. من بين الأميركيين العرب والمسلمين مَن قرّر عدم الاختيار ما بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، وهؤلاء يمثلهم قرار "اللجنة العربية ــ الأميركية للعمل السياسي"، آباك (AAPAC). داخل هذه الفئة تجد مبادرة ناخبين في الدائرتين التاسعة والعاشرة في ولاية نيويورك لمعاقبة هاريس، عبر وضع اسم هند رجب على ورقة الاقتراع في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وهند رجب طفلة فلسطينية قتلتها دبابة إسرائيلية في يناير/ كانون الثاني 2024 في مدينة غزّة. فئة ثانية من هؤلاء تجسّدها حركة "غير الملتزمين" في الحزب الديمقراطي التي تركت الحرية التصويتية لأعضائها. جزء ثالث يتعلّق بالعرب حصراً، ويقولون، بحسب بعض استطلاعات الرأي، إنهم سيصوتون بنسبة قد تصل إلى 40% لمرشّحة حزب الخضر جيل ستاين، المرشّحة اليسارية الرمزية التي تأكل من حصة أصوات المرشّحة الديمقراطية. تيار رابع ينتظم في صفوف منظمة "إمغيج باك" (Emgage PAC)، وهي إحدى أكبر اللوبيات السياسية الإسلامية الأميركية، اتفق أعضاؤه على دعم هاريس. وفي موقع خامس، يُخبرك استطلاع رأي نشره أخيراً "المعهد العربي ــ الأميركي" أن 46% من الناخبين العرب سينتخبون ترامب.

في هذه الخريطة المعقّدة من نيات التصويت، تحتلّ إسرائيل والدعم الأميركي المطلق لها في حربها الإبادية على الفلسطينيين، ثم في عدوانها على لبنان، موقعاً أساسياً، إلا بالنسبة لناخبين عرب ومسلمين هم ترامبيون، قبل حربي غزّة ولبنان. هؤلاء فئة وازنة من العرب والمسلمين، قناعاتهم وأخلاقهم ومصالحهم من قناعات ترامب وأخلاقه ومصالحه، ويُقال فيهم ما يمكن قوله عن عرب ومسلمين من ناخبي وعقائديي "التجمّع الوطني" اليميني المتطرّف في فرنسا وأحزاب فاشية أخرى في كل مكان. وبعد استبعاد هؤلاء الترامبيين العرب والمسلمين من موضوع هذه العجالة، وجب التذكير بأنّ فعل التصويت في أي انتخابات ديمقراطية فعلاً، ونزيهة حقاً، ليس فعلاً رمزياً، ولا فولكلور عاطفياً، بل قرار تترتّب عليه نتائج ضخمة، فكيف إذا كان الأمر يتعلّق بانتخابات أكبر وأقوى وأغنى بلد، وقد حكمت حركة الهجرة بأن يكون للعرب والمسلمين في ثلاث من أهم الولايات المتأرجحة (ميشيغين وويسكونسن وبنسلفانيا) 44 صوتاً في المجمع الانتخابي من أصل 538؟

أمام الناخبين العرب والمسلمين من غير الترامبيين في أميركا فرصة لمنع تكرار حصول كارثتيْن كانت لهم أو لآبائهم يد طولى فيهما: فوز الجمهوري جورج بوش على الديمقراطي آل غور بفعل تصويت عربي ومسلم وازن آنذاك لرالف نادر في انتخابات عام 2000، ثم فوز ترامب على هيلاري كلينتون في 2016 بعدما صوّت عربٌ كثر لمرشّحة حزب الخضر جيل ستاين إيّاها، وكأنّ هؤلاء انتخبوا ترامب بشكل غير مباشر. بعد 13 يوماً، كل مواطن أميركي يهمّه احتمال أن تصبح أميركا أفضل وأكثر عدلاً وتوازناً وتقدّمية في الداخل ومع الخارج، وأقلّ حربيةً ودعماً لإسرائيل وأكثر اهتماماً بالمناخ والمساواة والحقوق وأقل توحشاً في رأسماليتها، يجب أن يصوّت لكامالا هاريس، لا لشيء إلا لأن فوز مرشّح ديمقراطي في أميركا يفتح احتمالاً، مجرد احتمال، لأن تتحقّق تلك الآمال أو بعضها، بينما التصويت للمرشّح الجمهوري هو مقبرة تلك الاحتمالات. أما التصويت لمرشّح ثالث في نظام انتخابي قائم على الثنائية الحزبية، فليس سوى شعبوية تخدم الشعبويين، ترامب في حالتنا، أقبح الشعبويين وعرّابهم.

الطريق إلى جهنم معبّد بالنيات الطيبة، والطريق إلى ولاية رئاسية ثانية لدونالد ترامب قد يكون معبّداً بقرارات رمزية نقيضة للسياسة وقاتلة لها، من نوع التصويت بورقة بيضاء أو انتخاب جيل ستاين أو رفع لافتة "غير ملتزم".