الربيع العربي المقبل .. متى وأين؟

الربيع العربي المقبل .. متى وأين؟

10 ديسمبر 2020
+ الخط -

مع قرب الاحتفال بمرور عقد عليه، لا يزال الربيع العربي محتفظا بجماله، بقدر ما تبدو الثورة المضادة قبيحة. من جواهر العقد التي لا تزال لامعة: 

أولا، السلمية التي زينت الربيع العربي شعارا واقعا، قلبتها الثورة المضادّة وحشية في غاية البشاعة، فعدد من قدمتهم الثورة التونسية من شهداء غيّروا وجه تونس والعالم العربي لا يعادل خسائر حملة خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية. وكل شهداء ثورة 25 يناير في مصر لا يعادل عددهم عدد من قتلهم انقلاب عبد الفتاح السيسي في يوم مجزرة ميدان رابعة العدوية. كلفة الثورة المضادّة في الأرواح وحدها قد تصل إلى مليون في سورية واليمن والعراق وليبيا ومصر، فضلا عن المعوّقين والمشردين والمغيبين في السجون. 

لم يكن مجرّد عنف بقدر ما هو وحشية وسادية وتلذذ بالتعذيب والقتل والتشويه. "داعش" أبرز تجليات الثورة المضادة، ونافست الأنظمة في وحشيتها. لك أن تتخيّل أيهما أسوأ، مشهد قطع الرؤوس أم مشهد التجويع والهياكل العظمية في صور قيصر المسرّبة من سورية. في الربيع العربي، تحوّل الإرهابيون إلى سلميين. وفي الثورة المضادة تحوّل السلميون إلى إرهابيين. من حملوا السلاح ضد الدولة في ليبيا ومصر عادوا واحتكموا إلى صناديق الاقتراع، وآمنوا بالعملية الديمقراطية السلمية. بعد الثورة المضادّة، شاهدنا شبابا كانوا إخوانا أو في اليسار تحوّلوا إلى "داعش". لم تنجح أطنان القنابل ألأميركية التي ألقيت على تنظيم القاعدة في أفغانستان في إقناع إسامة بن لادن بفشل مشروعه العنفي، لكن الربيع العربي أقنعه بعبثية العنف، واضطر إلى تبني خطاب الربيع العربي. 

ثانيا، تميز الربيع العربي بوحدة المجتمعات في مواجهة الانقسامات، سواء السياسية أم الطائفية أم الجهوية، على خلاف الثورة المضادّة التي مزّقت المجتمعات العربية، وخلقت انقسامات جديدة، وعمّقت القائمة منها. من كان يتخيّل أن اليمن الذي اتّحد في ساحات التغيير سينقسم مذهبيا بين زيدي وشافعي، ومناطقيا بين شمالي وجنوبي، وجهويا وقبائليا وكل أشكال الانقسام؟ تكرّر الانقسام نفسه في سورية وليبيا وغيرهما. أيهما أجمل، أبناء الوطن متكاتفين أم متناحرين؟ 

ثالثا، أظهر الربيع العربي الموقف الأصيل من القضية الفلسطينية، صراعا مع الصهيونية. لا أنسى هتافات التوانسة "حللونا الحدود نحرّر فلسطين"، بقدر ما تعرّت الثورة المضادّة مسخا تابعا حليفا للصهيونية، كما أظهر التحالف الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل. وهو مجرد إعلان لما كان واقعا سرّيا خلال منازلة الثورة المضادّة مع الربيع العربي.

رابعا، الاستقلالية في مواجهة التبعية. تحرّك الشباب العربي بوحيٍ من ضمائرهم، وتأثروا بما شهدوه في عواصم عربية، فتونس حرّكت مصر، ومصر حرّكت من بعدها، وثبت أن أميركا وغيرها فوجئوا بالحراك، وارتبكوا في التعامل معه. واستقلالية الربيع العربي تقابلها تبعية الثورات المضادّة للخارج، سواء في محور إسرائيل والدوائر الغربية المتربطة بها، أم محور إيران. في انقلاب السيسي، عمل نتنياهو وزير خارجية له. وفي سورية، واجه الشعب احتلال إيران وروسيا. وفي اليمن، يواجه الشعب احتلال إيران مقابل احتلال الإمارات والسعودية. 

تلك بعض ملامح الجمال مقابل ملامح القبح. وبعد عقد، تأكد أن أنظمة الاستبداد، بارتباطاتها الخارجية، أكثر قوةً مما كان الشباب العربي يتوقع. وفي النهاية، هُزم الربيع العربي، باستثناءٍ في تونس، لكن الثورة المضادّة لم تنتصر، وبرزت قبيحةً منفّرة بعد عقد. وبحسب آخر استطلاع للرأي، بدا أن أكثرية الشعوب العربية لا تزال تنظر بإيجابية إلى الربيع العربي، وخصوصا في مصر، التي ينظر أكثر من 80% من عيّنتها بإيجابية إلى الربيع العربي، وهي التي شهدت مولد الثورة المضادّة. وفي تونس على الرغم من حملات الشيطنة، لا تزال الأكثرية، بحدود 70%، تراه إيجابيا. 

إذن، الناس لم تندم على تضحياتها، ولا تزال تواصل تضحياتها. وفي الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر، تأكد أن نسائم الربيع تهب فجأة، ومن حيث لا يتوقع. بانتظار نسمة وربما عاصفة. هذا مؤكّد. السؤال: متى وأين؟

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة