الدين والهويّة في الدساتير السورية... الإعلان الدستوري وحقوق الأقليات

02 ابريل 2025

سوريون أكراد يتظاهرون في عامودا احتجاجاً على الإعلان الدستوري (14/3/2025 فرانس برس)

+ الخط -

شكّل الدستور السوري، وعلى مدى تاريخ البلاد الحديث، أبرز معالم الخلافات وطبيعة الصراعات السياسية والاجتماعية، وإيقاع العلاقة بين المكوّنات والدولة، وتنوّعت محاولات السيطرة لترسيخ حكم ديمقراطي أو استبدادي، على حدّ سواء، وغالباً ما كان المواطن السوري في الحدّ الأدنى لسلّم الأولويات، في مقابل تعزيز السلطة المطلقة والهيمنة الحزبية. وعلى اعتبار أن الدساتير تأتي لاستيعاب التغيّرات السياسية والاجتماعية التي تطرأ على البلاد من حروب أو كوارث أو تغيير في بنية الأنظمة السياسية، فإنّ المطلوب أن تكون موادّ الدستور معبّرةً عن تطلّعات وآمال المكوّنات والقوميات، وضامناً لمسارات السلام والعيش المشترك والاستقرار، من دون تمييز أو إقصاء.
حالياً، تشكّل المواد الدستورية المتعلّقة بحقوق القوميات والأقلّيات، في دساتير الدولة السورية منذ تأسيسها، نقاطاً خلافيةً بشأن هويّة الدولة وشكلها واسمها وديانة رئيسها.
العثمانيون والحكم الملكي... والانتداب الفرنسي
انسحب العثمانيون من سورية في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1918، مع تشكيل حكومة وطنية، وفي مايو/ أيار 1919، ووفقاً لمقترح الأمير فيصل، جرت انتخاباتٌ لأعضاء المؤتمر السوري العام، عبر ناخبين ثانويين انتخبوا نواب مجلس المبعوثان العثماني في إسطنبول عن ولايتَي دمشق وحلب، في حين أُكتفي في باقي مناطق بلاد الشام باستلام عرائض وقّعها الأهالي لاختيار الممثلين. وفي 8 مارس/ آذار 1920 أُعلن عن استقلال سورية وقيام المملكة السورية العربية، ولم يحظ الكيان بأي اعتراف دولي، وأهم ما جاء في دستورها أن سورية "مَلَكية مدنية نيابيّة، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام"، وكفل الدستور المساواة بين جميع السوريين، وبيّنت المادة 47 من الفصل الخامس أن المؤتمر العام يتكون من غرفتَين، مجلس النواب المنتخب من الشعب على درجتين، ومجلس الشيوخ المنتخب من مجلس النواب بمعدل ربع عدد أعضاء نواب المقاطعة الواحدة في مجلس النواب، ويعيّن الملك نصف العدد المنتخب عن كل مقاطعة أيضاً، والمادة 88 من الفصل الخامس تقول إن كلّ مقاطعة دائرة انتخابية واحدة بالنسبة للأقلّيات. اللافت في دستور تلك الفترة اعتماد إدارة البلاد على قاعدة اللامركزية، إذ جاء في الفصل 11: المواد "123- 124- 125" أن المقاطعات تدار بطريقة اللامركزية في إدارتها الداخلية، وتشكيل مجلس نيابي وحكومة خاصّة لكل مقاطعة، ويعيين الملك حاكماً عليها، وتترك إدارة شؤونها الداخلية لمجلسها، أما الأمور الخاصّة بالمملكة فمن شؤون المركز.

منح دستور الوحدة جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمواطني مصر وسورية، وتغافل عن الكرد 

طبّق هذا الدستور 15 يوماً فحسب، ولم تطبق أغلب بنوده بسبب تلاحق الأحداث التي بلغت ذروتها مع إنذار الجنرال غورو وسيطرة الفرنسين على دمشق في 25 يوليو/ تموز 1920 وفق معاهدة سان ريمو وقرار عصبة الأمم.
أعلن الانتداب الفرنسي تعطيل العمل بالدستور، وتقسيم البلاد في 1 سبتمبر/ أيلول عام 1920 إلى دولة اتحادية على أسس مذهبية ومناطقية، وفي 1 يناير/ كانون الثاني عام 1925، حُلّ الاتحاد وأعلنت الوحدة بين دولتي دمشق وحلب فحسب، وأصدر المفوض الفرنسي الجديد ماكسيم فيغان قراراً آخر اعتُبر بمثابة القانون الأساس للدولة، نصّ على أن عاصمة الدولة دمشق ولحلب الامتياز الإداري والمالي، مع استمرار فصل السويداء واللاذقية، وأطلق على عملية الوحدة تلك "الدولة السورية". طالبت الثورة السورية الكبرى التي انطلقت من السويداء، في 21 يوليو/ تموز 1925، بوحدة البلاد السورية وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وانتُخبت جمعية تأسيسية لتحقيق الوحدة السورية. ومن سياق القرارات السابقة، كان واضحاً أن النظام الاتحادي هو الساري المفعول، حتى بعد توحيد دولتَي حلب ودمشق، إذ جرى تقاسم السلطات والصلاحيات والثروات بينهما، ولم ترد على الإطلاق أيّ إشارات أو عبارات إلى عروبة الدولة.
دساتير 1928 و1930 و1950 
شُكّلت لجنة دستورية لإعداد دستور جديد عُرف باسم دستور 1928، ومن أبرز ما جاء فيه أن سورية جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الإسلام، ونصّ على تمثيل الأقلّيات الدينية والعرقية على نحوٍ عادل في البرلمان وسائر مؤسّسات الدولة. شكّل هذا الدستور بدايةً مبشّرةً لاسم الدولة وحقوق المكوّنات والحرّيات والمساواة، وبلغ عدد أعضاء المجلس النيابي 60 عضواً عام 1932 ثم رُفع العدد إلى 90 بعد انضمام دولتَي الدروز وجبل العلويين إلى سورية عام 1936، ورُفع العدد مجدّداً إلى 124 عام 1943، وأخيراً رُفع إلى 140 عضواً في انتخابات العام 1947، وهي آخر انتخابات تجري في ظلّ هذا الدستور.
وجاء في الباب الأول لدستور 1930، الفصل الأول، المادة الأولى، أن سورية دولة مستقلة ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أيّ جزء كان من أراضيها، وقالت المادة الثالثة إنّ سورية جمهورية نيابية دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق، وفي المادة 24: اللغة العربية هي اللغة الرسمية في جميع دوائر الدولة إلّا في الأحوال التي تضاف إليها بهذه الصفات لغات أخرى بموجب القانون أو بموجب اتفاق دولي، وفي المادة 28: حقوق الطوائف الدينية المختلفة مكفولة، ويحق لها إنشاء المدارس لتعليم الأحداث بلغتهم الخاصة، وفي الباب الخامس، المادة 113: تقوم بشؤون العشائر البدوية إدارة خاصة تحدّد وظائفها في قانون تراعي حالته الخصوصية.
والملاحظ هنا أنّ الإدارة الفرنسية شكّلت دولةً خاصّة لكلٍّ من الدروز والعلويين والحلبيين والشاميين، ولسكّان أنطاكية وإسكندرون حكماً ذاتياً. في حين شكّلت لواء الجزيرة بعد فصل قضائَي القامشلي والحسكة عن لواء الفرات (دير الزور)، وألحقت بلواء الجزيرة الأراضي التي ألحقت بالدولة السورية بين حدود قضاء القامشلي ونهر دجلة، وهي نواحي: الشدّادي وسري كانيه، وقرمانة (قرية تتبع الدرباسية حالياً)، وبويرات، وقضاء دجلة، وناحيتَي مصطفاوية وديرون آغا. وخلال تلك الفترة نجحت النخب العربية السُّنية بالسيطرة على مقدّرات دولة سورية، التي تشكّلت من دمج دويلات حلب ودمشق والعلويين، بالتزامن مع رغبتهم في السيطرة على لواء الجزيرة، حيث معقل الأكراد، وبعد الفشل في التأثير عبر المدّ القومي، لجأت تلك النخب إلى استغلال الرابطة الدينية، عبر ما يُعرف في العلوم السياسية بـ"الزبائنية"، لتبادل المصالح بين المركز والأتباع في الأطراف، مع ذلك عُيّنت الغالبية العظمى في الوظائف الإدارية والمهمة من خارج المحافظة، ولم تنل اللغة والخصوصية القومية للشعب الكردي أيَّ اعتراف من تلك النُخب، ما دفع مجموعةً من وجهاء العشائر الكردية والمسيحية إلى تقديم عريضتَين للانتداب الفرنسي مسجَّلتَين في ديوان المفوّض السامي الفرنسي، الأولى عام 1930، والثانية في 1933، تحت رقم "6501"، طالبت بمعاملة الأكراد معاملةً مماثلةً لبقيّة المكوّنات السكّانية الخاضعة للانتداب الفرنسي، وبأنهم يستحقون إدارةً خاصّة تماماً، وبقبول الكرد في الوظائف العامة والإدارة والعدالة والجندرمة والشرطة، وبقبول اللغة الكردية لغةً رسميةً في الدوائر العامة، وتأسيس مدرسة كردية في الحسكة لتأهيل المعلمين من مختلف أجزاء كوردستان.

كان الدستور ما بين عام 1973 و2012 أسوأ الدساتير السورية، وأطولها عمراً

أُقرّ دستور 1950 بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وأتى نتيجة لنقاشات مستفيضة ضمن جمعية تأسيسية منتخبة، ومن بين موادّه، الفصل الأول: في الجمهورية السورية، المادة الأولى: سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة، والمادة الثالثة: دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، والمادة الرابعة: اللغة الرسمية هي اللغة العربية، كما أن كلّ الدساتير التي كُتبت بعده جاءت نتيجة انقلابات عسكرية، وقد جرى تعليقه بعد الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 على هاشم الأتاسي. وشكلّ الدستور انتكاسةً جديدةً على صعيد التعددية السياسية والإثنية، بالرغم من إنه قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، وسحب حقّ نقض القوانين والمراسيم منه، وأمهله عشرة أيام فحسب، وسُمي بدستور الاستقلال.
وفي عام 1946، جلت فرنسا عن سورية بعد أن رسمت معالمها الجديدة، واتخذت حكومة الجلاء من دستور عام 1928 دستوراً للبلاد وحكمت بموجبه، وكان ينصّ على أن "سورية جمهورية نيابية، دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق". وفي 1947 عُدّل الدستور بتحويل النظام الانتخابي من درجتَين إلى درجة واحدة، وعدّل مرّة ثانية عام 1948 للسماح بانتخاب شكري القوتلي لولاية ثانية مباشرة بعد ولايته الأولى، وفي 30 مارس/ آذار 1949 انقلب حسني الزعيم عسكرياً على الحكم المدني برئاسة القوتلي، وعلّق العمل بالدستور، وسرعان ما انقلب عليه سامي الحناوي في أغسطس/ آب 1949، ونُظّمت انتخابات جمعية تأسيسيّة (شاركت فيها المرأة للمرّة الأولى) لوضع دستور جديد للبلاد.
الوحدة مع مصر وما بعدها
جُمّد العمل بالدستور السابق، وصدر دستور مؤقّت بين عامي 1958-1961، وتحوّلت سورية جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، ومثّلت الوحدة تجسيداً واقعياً لرؤية حزب البعث في مجتمع عربي اشتراكي موحّد، وكانت ذات نظام مركزي مؤلّف من إقليمَين شماليّ في سورية، وجنوبي في مصر، وحُلّت الأحزاب السياسية جميعها في سورية بما فيها "البعث"، وجاءت المادة الأولى من الدستور مؤكدةً على القومية العربية وحدها من خلال تسمية الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية ديمقراطية) تعدّ جزءاً من الأمة العربية، أمّا المادّة الثانية فقد منحت جنسية الجمهورية العربية المتحدة لمواطني كلٍّ من مصر وسورية، لكنّها استمرّت بالتغافل عن الكرد المجرّدين من الجنسية والهويّة السورية.
وبعد الإعلان عن انقلاب ضدّ الجمهورية العربية المتحدة، عاد العمل بدستور 1950، وأُعيدت تسمية البلاد بـ"الجمهورية العربية السورية"، وبقي معمولاً به حتى انقلاب 8 مارس (1963)، وبعد ذلك صدر دستورا 1964 و1969 المؤقتان بُعيد استلام حزب البعث السلطة، ركّزت موادهما أساساً على أن "القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي"، إضافة إلى سيادة الحزب الواحد والمفاهيم الاشتراكية، ثم أُصدر الدستور المؤقّت للجمهورية العربية السورية 1971 بعد ما عُرِف بـ"الحركة التصحيحية".
كان الدستور ما بين عام 1973 و2012 أسوأ الدساتير السورية، وأطولها عمراً. اعتبر أن سورية جزء من "اتحاد الجمهوريات العربية" و"الشعب في القطر السوري جزء من الأمة العربية"، وحصر الرئاسة في "البعث"، في استبعاد لباقي مكونات الشعب، واعتبر "البعث" قائداً للدولة والمجتمع، وفقاً للمادة "8"، ونصّ على أن دين الرئيس هو الإسلام، والفقه المصدر الرئيسي للتشريع. في يوليو/ تمّوز 2000 خفص تعديل الدستور عمر مرشح الرئاسة من 40 عاماً إلى 34 عاماً، لتمكين بشّار الأسد من الترشّح للمنصب خلفاً لوالده.

لم يتمتع الكرد في تاريخهم الحديث بأيّ استقرار أو حقوق مواطنة، وعلى الرغم من كمية التضحيات والعمل لبناء الدولة السورية

شكلياً، جرى تعديل بعض مواد دستور عام 1973، لكنّها حافظت على المضمون الأساسيّ الذي تسبّب بالإشكاليات المجتمعية، بالرفض من جانب القوميات والأديان الأخرى، فأعيد التأكيد أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام، والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، واسم الجمهورية العربية السورية للدولة، والهويّة العربية للشعب، واللغة الرسمية هي العربية، وجرى تبديل المادة الثامنة من احتكار "البعث" للسلطة إلى التعدّدية السياسية، فورد فيها "يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتجري ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع"، وأُلغيت حالة الطوارئ، لكن سياسة الاعتقالات والخطف لم تنتهِ إلى يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لحظة سقوط الطاغية.
الإعلان الدستوري 2025
شكّل الإعلان الدستوري المعلن في مارس/ آذار 2025 صدمة كبيرة، خاصّة للأطراف السياسية والحزبية، والقوميات والأقلّيات الدينية مثل الكرد والآشوريين والدروز وأطراف سياسية عربية عديدة، وشكّل قسم من مواده مخاوف جوهرية تعرقل الانتقال الديمقراطي، خاصّة صلاحيات رئيس الجمهورية، وغياب آليات رقابية فاعلة، وأن كلّ ما كُتب بُني على أساس نتائج مؤتمرَي الحوار والنصر وهما لا يعكسان تمثيلاً حقيقياً للسوريين كلّهم، وغياب ضمانات الرقابة أو المساءلة والمحاسبة، والمواد المتعلقة باسم وهويّة الجمهورية السورية والإصرار على عروبتها، وتحديد دين رئيس الدولة بالإسلام، واعتبار الفقه الإسلامي مصدرَ التشريع، واللغة العربية هي الرسمية، وإطالة مدّة المرحلة الانتقالية لتبلغ خمس سنوات، كما وردت بعض المواد والجوانب الإيجابية التي يُمكن البناء عليها، مثل تقييد السلطة التنفيذية عبر عدم منح الرئيس الانتقالي سلطة إصدار المراسيم التشريعية أو العفو العام أو رئاسة مجلس القضاء الأعلى، كما نصّ الإعلان على جعل جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي صادقت عليها الجمهورية السورية، جزءاً لا يتجزّأ من هذا الإعلان الدستوري، وتحديد مدة الطوارئ بثلاثة أشهر حداً أقصى، وإحداث هيئة للعدالة الانتقالية، ما سيكون إطاراً نظرياً لمساءلة عادلة.
خاتمة
لا تتناسب الدولة الوطنية المطلوبة اليوم لسورية والإعلان الدستوري الحالي؛ إذ لا يُمكن استمرار عقلية الإقصاء، رغم أن الدساتير القديمة أنصفت المكوّنات والقوميات في مرّات كثيرة، ومنحتهم حرّية التعبير والهويّة والانتماء والخصوصيات.
من جهة أخرى، لم يتمتع الكرد في تاريخهم الحديث بأيّ استقرار أو حقوق مواطنة، وعلى الرغم من كمية التضحيات والعمل لبناء الدولة السورية، التي أُلحقوا بها من دون استشارتهم، ولا حتّى استشارة العرب والآشوريين، بل المكوّنات كلّها، فارتضوا العيش معاً، لكن تعاقب الأنظمة السياسية على حكم سورية لم يشفع لهم. ومنذ انهيار السلطة العثمانية وحقبة الفرنسيين والحكم الوطني وفترة الانقلابات وعهد الوحدة، ثمّ حزب البعث، وعبر اللجنة الدستورية خلال مفاوضات جنيف حول سورية، تأرجحت الحياة السياسية دستورياً ما بين التعريب أو التعددية السياسية، لكن لم يُمنح الكرد الاعتراف الذي يستحقونه.

العناد أمام الرغبة الشعبية لا يُعتبر دهاءً سياسياً، بل اجترارٌ لأخطاء الأنظمة الماضية

ولا يعدّ العناد أمام الرغبة الشعبية دهاءً سياسياً، بل اجترارٌ لأخطاء الأنظمة الماضية، فالأفضل التراجع قليلاً وإصدار مُلحق أو تتمة، أو الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني شامل لانتخاب جمعية تأسيسية تشمل جميع المكونات للبتّ في اسم الجمهورية وهويّتها والعلاقة بين الدين والدولة، ومخرجات مؤتمر النصر والحوار الوطني، يُمكن أن تُتمَّم بخطوات إضافية لسدّ النواقص، وبالتالي يكون المؤتمر التأسيسي/ الجمعية التأسيسية ممثلة لجميع القوى الديمقراطية والسياسية والاجتماعية.
ينبغي إرساء أسس دولة مدنية تقوم على المواطنة وفصل السلطات، وتضمين مواد تؤكّد عدالة التقسيمات الإدارية بالنسبة للسكّان والمساحة والموقع الجغرافي، ويكون لها تأثير في نسبة المشاركين في الترشيح والانتخابات وعدد المقاعد في البرلمان السوري. وليتساوى الجميع أمام القانون وفي المواطنة، يستلزم أن تكون الدولة حيادية لا تفضّل ديناً على آخر، ولا تمنح الأولوية لقومية على أخرى، وهو ما يتطلّبه بناء هويّة سورية جامعة.
وينبغي توزيع الصلاحيات وتفعيل مبدأ المراقبة والمحاسبة والمساءلة المجتمعية، واحترام الشريعة الإسلامية، وأن تكون أحد مصادر التشريع، أما الديمقراطية، فليست وحشاً كاسراً، بل إنّها مبدأ عمليٌ ومرجع مهم في حماية سورية من الانسلاخات الجغرافية، فالتعدد القومي والديني والطائفي حقيقة واقعية ووجودية، وسورية لم تكن في يوم من الأيام مكوّنةً من لون واحد، بل دوماً شكّل الكرد والآشوريون والسريان والدروز والعلويون والمسلمون، السُّنة والشيعة، أركان هذه البلاد.
واللغة الكردية تاريخية من حيث الأدب ولغة التدوين والتاريخ، واعتبارها لغةً رسمية في مناطق الكرد أولوية وضرورة ملحّة، لا تقل عن أيّ حقّ آخر، ويجب اعتبارها لغةً ثانية في الجامعات والمعاهد.
ضحّى السوريون والسوريات بالكثير من أجل لحظة الانعتاق والخلاص والعيش في كنف العدالة والمساواة والديمقراطية والتعددية وحرية المعتقد؛ لهذا يستحقّ السوريون فرصةَ إعادة بناء بلادهم ضمن فضاء ديمقراطي غير أحادي الجانب.