الدكتور الدكتاتور

الدكتور الدكتاتور

22 اغسطس 2021
+ الخط -

كلّ ما أتمناه ألّا يُجنّ الرئيس بشار الأسد فيقتني كلبًا على غرار كلب الرئيس التركماني، قربانقلي مالكلقولييفتش، كي لا تبلغ حدود التطابق بين الرئيسين مبلغًا يُشعرنا بالعار، نحن العرب، من وجود "طاغية" بين ظهرانينا، يضاهي ما يشعر به الشعب التركماني الصديق من عارٍ يعانيه على مدار اللحظة من جنون طاغيته. فبحسب قوانين التنافر والتناظر، تجمع بين "أسدنا" وطاغية التركمان عناصر يتعيّن أن نوليها شطرًا من قلقنا على مستقبل رئيسنا، أولها أن الاثنين طبيبان، فبشار الأسد طبيب عيون، ومالكلقولييفتش طبيب أسنان، وكلاهما تسلم منصب الرئاسة بانتخابات "صورية"، ثم جدّد ولايات رئاسته بانتخابات "سمعية".

ولو تعمقنا في عناصر التناظر أزيد فأزيد، لوجدنا أن كليهما مارس مهنة الطب على شعبه، بكلّ حنوّ الطب ورسالته السامية. صحيحٌ أن نتائج العمليات الجراحية جاءت على نحو عكسيّ مما هو معروف في عالم الطبّ. ولكن يحسب للرئيسين "شرف المحاولة"، فشعب بشار فقئت عيناه، وشعب مالكلقولييفتش هشّمت أسنانه. كما أن الاثنين ارتأيا أن يستبدلا مباضع الجراحة المعروفة بأدوات أخرى، فبشار الأسد استبدل المثقاب بالمدفع، والغاز المخدّر بالغاز الكيماوي، ودورق المحاليل بالبراميل المتفجّرة، لكن ذلك لم يتجاوز حدود "المهنة" التي درس مبادئها على يدي أبيه أولًا، الذي سبق له أن "أحبّ" شعبه حدّ الإبادة، على غرار ما فعله في حماة وسجن تدمر، ولأن "الابن سرّ أبيه" فقد بذّ التلميذ أستاذه، وبرهن أن في وسعه أن يبيد بلدًا بأكمله من شدّة "الحبّ" و"العطف" أيضًا. وأمّا مالكلقولييفتش فقد التزم هو الآخر بأصول المهنة، ولكن بأساليب أخرى، منها أنه أصدر أخيرا فرمانًا يلزم كل مواطنٍ يرغب باقتناء الإنترنت أن يقسم على القرآن بألا يدخل إلى أحد المواقع المحظورة التي تفضح جرائم الطغاة، فضلًا عن أن سلطات بلاده تجرّم كل من يناقض الرواية الرسمية التي تعتبر أن عدد سكان البلاد يتجاوز ستة ملايين نسمة، بينما العدد الفعليّ لا يتعدّى ثلاثة ملايين، لأسباب لا يعلمها حتى الآن سوى الشيطان والدكتاتور (الدكتور) فقط.

هذه العناصر، وليست كلها، أشعرتنا بالخوف على مستقبل (دكتورنا) بشار الأسد، فآخر ما نريده أن نصبح مضغةً في فم العالم، كما أصبحت تركمانستان بزعيمها المجنون، ولربما ترتاح أعصابنا قليلًا، إذا علمنا أن (دكتورنا) لا يمتلك كلبًا، كما ذكرت، حتى لا يحذو حذو مالكلقولييفتش الذي بلغ جنونه حدّ نحت تمثال ذهبيّ لهذا الكلب، وتنصيبه في أهم جادة بالعاصمة. ونحن نحمد الله أن الدكتور بشار الأسد لم يبلغ به الجنون هذا الحدّ بعد، سيما وأن بلده ما يزال يعاني ويلات الحرب والفقر والجوع وانهيار العملة، وهو رئيسٌ "عاقل" بلا شك، ويعلم جيدًا أن من شأن هذا الفعل أن يؤلب الشعب ضده مرة أخرى.

صحيحٌ أن العقل غاب عنه طوال فترة القمع التي زاولها طبيبا منذ اندلاع "مؤامرة" الربيع السورية، كما يحلو له ولنظامه أن يسميها، وبدا أشدّ جنونًا من نيرون وهو يحرق مدنًا بأكملها شقّت عصا الطاعة على نظام عنوانه البطش الشامل والكامل، لكن يحسب له أنه لم يقتن "كلبًا". صحيحٌ، أيضًا، أن الدكتور الدكتاتور يعاني، أصلًا، من عقدة الكلاب، على اعتبار أنه ينظُر إلى نفسه كـ"أسد"، خصوصًا في الحروب التي يخوضها ضدّ شعبه، أو ضدّ الفلسطينيين في مخيمي اليرموك وتل الزعتر، بينما ينظر إليه العالم كـ"نعامة" في الحروب التي خاضها أبوه ضدّ إسرائيل، أو لوّح الابن بخوضها ضدّ "العدو" نفسه تحت شعارات "المقاومة والممانعة"، غير أن ذلك لا ينتقص من كونه "شبل" الأسد الذي لا يجوز له التردّي إلى درك اقتناء الكلاب.

ثمّ تبلغ العقدة منتهاها، حين يتذكّر الدكتور الدكتاتور مثلًا شعبيًّا يقول إن "كلب الشيخ شيخ". عند هذا فقط، يتنازعه خاطران، الأول أن يكرس هذا المثل ضدّ شعبه الذي لم يتحسّن سلوكه حتى الآن، بدليل تجدد ثورة الربيع في درعا حاليًا، فينحت تمثالًا لكلاب أجهزته وينصبها في عموم البلاد، لكنه سرعان ما ينتقل إلى خاطرٍ آخر، قوامه أن للدول العظمى كلابها أيضاً في المنطقة، ومنها روسيا بالطبع، ويخشى عندها أن يعجز شعبه عن التفريق بين تمثالين.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.