الحياةُ لسليمان الريسوني

الحياةُ لسليمان الريسوني

01 يوليو 2021
+ الخط -

دخل الإضراب الذي يخوضه الصحافي المغربي سليمان الريسوني عن الطعام مرحلة جد حرجة بعد أن تجاوز، إلى غاية كتابة هذه السطور، 84 يوما. ولم تُفلح الوساطات التي قادتها فعاليات حقوقية ومدنية في ثنيه عن مواصلة هذا الإضراب الذي يخوضه احتجاجا على استمرار اعتقاله، على ذمة الاعتقال الاحتياطي، أكثر من سنة، ومطالبةً بمحاكمته في حالة سراح. ويشوب الغموض قضيةَ الريسوني لأسباب كثيرة، أبرزها أن اعتقاله يستند إلى مجرد اتهام بالاعتداء الجنسي وجهه إليه أحد الأشخاص في تدوينة، باسم مستعار، على موقع فيسبوك. كما أنه كان في الوسع متابعته في حالة سراح، على اعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وهو ما يجعل اعتقاله تعسفيا وفق مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب في 1979.

الاستقواءُ بالتوازنات الدولية الحالية وأجندات القوى الكبرى، في التضييق على الحقوق والحريات وملاحقة الصحافيين والناشطين والمدوّنين، لا يعكس فقط قصورا سياسيا، بل أيضا عدمَ معرفةٍ كافيةٍ بطبيعة النظام الدولي، فهذه التوازنات والأجندات ليست ثابتة، وهي تتغير وفق مصالح الفاعلين الكبار على الساحة الدولية. ولنا في التاريخ القريب أكثر من عبرة؛ فقبل أن تضع الحرب الباردة أوزارها، كانت الدول الحليفة للغرب تتمتع بتغطيةٍ سياسيةٍ كبيرة، بسبب تغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تحدُث فيها، بيد أن استشعاره دنوِّ نهاية الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي جعله يغير أولوياته، فأضحى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عنوانا للتحوّل المفصلي الذي شهدته العلاقات الدولية في نهاية الثمانينيات. ولم يكن المغرب بعيدا عن الارتدادات القوية لذلك التحوّل، إذ سرعان ما وصلت إليه في شكل تقارير وتوصيات وبيانات صدرت عن البرلمان الأوروبي والخارجية الأميركية والمنظمات غير الحكومية، تطالب النظامَ بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان. وقد أدرك الملك الراحل الحسن الثاني، بخبرته السياسية، تأثير هذه المتغيرات، ما جعله يطلق إصلاحاتٍ سياسية ساهمت، على الرغم من محدوديتها، في ضخّ دماء جديدة في السياسة المغربية، غير أن هذا المد الديمقراطي سيعرف انتكاسة مع تغير الأجندات الدولية مع مطلع الألفية الجديدة، وبالضبط مع أحداث "11 سبتمبر" في 2001، فأصبحت الأولوية لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي كان له بالغ الأثر في تراجع إيقاع الإصلاحات السياسية في المغرب، وسيتعزّز ذلك، أكثر، مع الانتكاسة التي مني بها الربيع العربي بعد 2013.

التوازنات الدولية لا تستقر على حال، والرهان عليها لتعزيز السلطوية المغربية قد يُسعف الآن، لكنه ليس خيارا استراتيجيا، أمام تزايد الطلب على الديمقراطية والحرية والكرامة. في الصدد ذاته، يواجه المغرب تحدّيات جسيمة بشأن قضيته الوطنية. ومن مصلحة الدولة والمجتمع أن تكون الجبهة الداخلية متراصّةً، ففي ذلك مواردُ وفيرةٌ لا ينبغي الاستهانة بفاعليتها في التصدّي للمناوئين لمغربية الصحراء. ومن ثمَّ، فالتضييق على الصحافيين، وتقليص هامش الحقوق والحريات، وتجفيف منابع السياسة، وتوظيف الجائحة في زيادة منسوب التحكّم في الفضاء العمومي، ذلك كله قد يُعطي مفعوله، على المدى القريب، في ظل دعم القوى الدولية المؤثرة للسلطة. لكنه لن يكون ناجعا على المدى البعيد.

مؤكّد أن الجميع سيخسر إذا ما فقد سليمان الريسوني حياته، لا قدّر الله، في معركة الأمعاء الفارغة التي يخوضها دفاعا عن حقه في محاكمة عادلة. وللإشارة، هذا الحق يضمنه الفصل 23 من الدستور المغربي حين ينصّ، في بنده الثاني، على أن ''الاعتقال التعسفي أو السرّي والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرّض مقترفيها لأقسى العقوبات''، وفي بنده الرابع على أن ''قرينة البراءة والحقّ في محاكمة عادلة مضمونان''.

في الختام، أي ''نموذج تنموي''، مهما بدا ناجعا، سيبقى معطوبا إذا لم يتّسع صدر السلطة للنقد والمساءلة اللذين قد يصدران عن هذا الصحافي أو ذاك.