الحكومة اللبنانية .. مسلسل ممل

الحكومة اللبنانية .. مسلسل ممل

19 فبراير 2021
+ الخط -

كل يوم، تخرج نشرات الأخبار على شاشات التلفزة، والتقارير في المواقع الإخبارية، لتكرّر اللازمة نفسها: لا يوجد جديد في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية. أسباب التعثر كثيرة، وتبادل الاتهامات بالتعطيل حاضر دائماً. فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، وضمنه صهره، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إلى جانب حزب الله، وكل مَنْ هم على هامشهم ممن يتحرّكون كلما طلب منهم ذلك، يتهمون رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بالمسؤولية عن تأخير تأليف الوزارة. أما الأخير فيرمي الكرة في ملعب الطرف الآخر. سواء أكانت الحكومة من 18 أو 20 وزيراً أو أقل أو أكثر. يصرّ فريق عون على بدعة "الثلث المعطّل" لجعل الحريري رهينة دائمة بين يديه، يمكن أن يطاح به في أي لحظة، كما حصل في عام 2011، عندما دخل الحريري إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي في ذلك الحين، باراك أوباما، رئيسا للوزراء وخرج من الاجتماع ليجد نفسه رئيس وزراء حكومة سقطت بعد استقالة الوزير الملك الذي سرعان ما نال بعد ذلك جائزة ترضية، بعدما أدّى دوره المناط به. وإذا كانت الذريعة يومها آلية عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تتولى التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري، فلن يحتاج هذا الفريق حجة لتكرار الأمر مع سعد الحريري، وإن بمبرّر مختلف، هذه المرة، فالحجج دائماً جاهزة على تفاهتها، والسخف نفسه حاضر في كل تصريح أو اقتراح يُقدم عليه هذا الفريق الذي يحكم البلد بمختلف مؤسساته، لكنه يصرّ على أنه مغبون وحقوقه مهدورة ومهدّد.

يمعن معسكر عون - حزب الله في اللعب على وتر المظلومية المزعومة، والأسوأ أنه يجد من يصدّقه من جمهوره. أما الحريري فليس سوى مجرد غارق في سراب أنه المنقذ، يفرح بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، معتقداً أن بين يديه عصا سحرية ستفتح له أبواب تأليف الحكومة كما يشتهي. يزور هذا البلد أو ذاك، وينتشي ببيانات الدعم، قبل أن يعود إلى بيروت، ليكتشف أن نتيجة ذلك كله صفر. وأن ما يقوم به بلا طائل، لتكبر خيباته، لكنه، في الوقت نفسه، غير قادر على الابتعاد عن هذا النظام المهترئ، لأنه، في النهاية، جزء منه، مهما حاول تصنيف نفسه في وضع مغاير. وأثبت هذا النظام، عقب انتفاضة 17 تشرين (2019)، أنه قادر على إعادة ضبط قواعد اللعبة بما يتيح حمايته، على الرغم من كل الخلافات البينية بين أقطابه. حتى أن هذا النظام حوّل اللبنانيين إلى ضحاياه، ليس كقول مجازي بل فعلي. وما سير الأحداث منذ انفجار مرفأ بيروت في السادس من أغسطس/ آب 2020 سوى خير دليل على ذلك. فحتى اليوم، وباستثناء عدد محدود من الموظفين الذين تم توقيفهم لحفظ ماء الوجه، يحمي كل فريق مسؤولي الصف الأول المحسوبين عليه من المساءلة. ويتحول القضاء والمحقق العدلي إلى مجرد مؤيدين في مسرحية هزلية، كل هدفها إعاقة المحاسبة وتحديد المسؤوليات وكشف حقيقة كيف تم إدخال 2700 طن من نترات الأمونيوم إلى لبنان، ولصالح مَنْ تم غض النظر عن تخزينها في قلب العاصمة، وإهمالها حتى انفجرت القنبلة في وجه اللبنانيين.

حدث ذلك كله من دون اكتراث أي من هذه القوى السياسية لحجم الدمار والخراب، أو إبداء أدنى استعداد لتقديم أي تنازلٍ يتيح وقف الانهيار المتواصل في لبنان. بل على العكس من ذلك يصر كل طرف من هذه التركيبة السياسية، على تدفيع الشعب ثمن كل النهج الخاطئ الذي اعتمد في هذا البلد على مدى العقود الثلاثة التي أعقبت الحرب الأهلية، ومن دون أن يتردّد بعضهم بالتهديد بحرق البلد مجدّداً، ما لم يحصل على مبتغاه.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات