الحكومة اللبنانية بين سندان النفط الإيراني ومطرقة

الحكومة اللبنانية بين سندان النفط الإيراني ومطرقة العرب

25 سبتمبر 2021
+ الخط -

وصف رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، عملية إدخال حزب الله صهاريج مازوت إيرانية إلى لبنان بأنه "خرق للسيادة اللبنانية". في المقابل، وجّه ميقاتي شكر الحكومة اللبنانية للعراق حكومةً وشعبًا، على مدّ لبنان بشحنات من النفط، بهدف تشغيل معامل توليد الكهرباء، بشروط ميسرة، مساعدة للشعب اللبناني في ظروفه الصعبة الراهنة. وجاءت تصريحات ميقاتي في أول مقابلة متلفزة له على قناة الـ CNN الأميركية، والتي تعتبر أول تصريح رسمي له بعد تشكيل حكومته. وأمام هذه التصريحات نطرح الإشكالية: هل من ازدواجية في التعاطي الحكومي بين النفطين الإيراني والعراقي؟ أم أن ميقاتي يسعى، من خلال هذا التوصيف، إلى إظهار موقف حكومته الرافض ما يقوم به الحزب، لكسب رضى دول الخليج، وحثّها على مساعدة لبنان وإخراجه من أزمته؟

الموقف الذي أدلى به رئيس الحكومة اللبنانية حول موضوع دخول المازوت الإيراني إلى بلاده، من المعابر غير الشرعية وبدون الحصول على موافقة الدولة اللبنانية، كان أول موقف رسمي لبناني في هذا الخصوص، فيما التزم باقي المسؤولين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، ميشال عون، الصمت المطبق. وقد رأت فيه مصادر وزارية أنه يتخطّى موقف الحفاظ على هيبة الدولة، إلى إيصال رسالة واضحة إلى دول الخليج إن حكومته ليس حكومة حزب الله، ولا هو في وارد الخضوع لشروطهم.

لم يكتف ميقاتي بموقفه المتقدم من رفضه شحنة النفط الإيراني، بل ذهب بعيدًا في مجال التفاوض مع المجتمع الدولي، كي لا يضع لبنان في موقع التموضع مع محور دون آخر؛ إذ تعهدت حكومته التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فقد ورد في مسودة بيانها الوزاري أنها، فور نيلها الثقة، ستستأنف التفاوض مع الصندوق، للوصول إلى اتفاق على خطة دعم تعتمد برنامجًا إنقاذيًا قصيرًا ومتوسط المدى، لإعادة هيكلة دينها العام، واستكمال سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تقدم بها لبنان إلى مؤتمر سيدر.

السلبية في العلاقات اللبنانية الخليجية نتيجة رفض هذه الدول تمثيل حزب الله في أي حكومة

ليس هناك من ازدواجية في مواقف ميقاتي بين النفطين، الإيراني والعراقي، فقد يكون إدخال حزب الله الصهاريج عبر معابر غير شرعية، بمرافقة سيارات رباعية الدفع بدون ألواح معدنية، بمثابة السندان الإيراني الذي له أكثر من دلالة، كتخطي سيادة الدولة اللبنانية وجعله ورقة بيدها، سيما أن الموضوع لم يمرّ عبر الطرق الدبلوماسية ولا الرسمية للدولة اللبنانية. هذا ما اعتبره بعضهم انتقاصا من السيادة، وضرب هيبة الدولة اللبنانية، وتكريس دويلة الأمر الواقع بدعم إيراني على الأراضي اللبنانية.

في المقابل، سارعت الحكومة العراقية، عبر الطرق الدبلوماسية والرسمية، إلى مدّ لبنان بالمحروقات التي يحتاجها، على أن يكون الدفع بالعملة الوطنية أيضًا، في قرار كان مرحبًا به من الرئيس ميقاتي، على عكس خطوة إيران، والتي اعتبرتها مصادر مقربة من الرجل انتهاكا واضحا وصريحا للمؤسسات الرسمية في لبنان، من دون الأخذ بالاعتبار ما قد تؤدي إليه خطوة النفط هذه من ارتدادات سلبية في البيئة العربية، وتحديدًا الخليجية التي لم يهنئ أحد من مسؤوليها بعد ميقاتي على تشكيل حكومته.

على الرغم من عمق الأزمة التي يتخبط بها لبنان، والأفاق الضيقة أمامه للخروج منها، يدرك اللبناني أن دول الخليج العربي لا يجب أن تلعب دور المطرقة التي تساعد في هدم لبنان، بل عليها أن تبقى المنفذ الرئيسي للسير بلبنان نحو تخطي مشكلاته. لهذا ليس من مصلحة الدولة اللبنانية الاستمرار في تعميق الهوة في العلاقات مع عمقها العربي. هذا ما عبّر عنه الرئيس ميقاتي عندما اعتبر أن بلاده تتطلع إلى "الأخ الأكبر العربي لكي يساعد لبنان في تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها".

السلبية في العلاقات اللبنانية الخليجية هي نتيجة رفض هذه الدول تمثيل الحزب في أي حكومة، بغض النظر عن رئيسها المنتخب، فدول الخليج تعتبر أن تدخل حزب الله في الشأن العربي، المدعوم من الجمهورية الإسلامية في إيران، تحديدًا في اليمن عبر جماعات الحوثية، يقوّض أمنها القومي، وهذا ما على الدولة اللبنانية أن تردعه.

يحاول ميقاتي إعادة ثقة الدول العربية والمجتمع الدولي بلبنان

وينعكس الصراع الإيراني السعودي في أكثر من بلد عربي على الشأن الداخلي للبنان. فالقيادة في العربية السعودية ترى في الحزب أداة تنفيذية لمخططات إيران التخريبية في المنطقة. لهذا لن تُبادر إلى مساعدة لبنان، ما دامت تعتبر الحزب رأس حربة في حرب اليمن، وخطابات أمينه العام، حسن نصرالله، لم تزل تصعيدية وهجومية وتحريضية على المملكة وملوكها وأمنها. فكيف إذا كان وزير الأشغال في حكومة ميقاتي من محازبي الحزب؟ ستحجب المملكة كل أشكال الدعم للبنان، في وزارة يتوزرها حزب الله، لأنّها تعتبر أن أي دعم مادي لها سيتحوّل تلقائيًا إلى الحزب وبيئته الحاضنة، وهذا ما لن يحصل.

تعيش حكومة ميقاتي أزمةً أعمق من مشكلات لبنان وكارثته الاقتصادية، فهي تتخبّط بين سندان صهاريج النفط الإيراني التي عبرت وستعبر بالطريقة ذاتها، والتحدي والتخطي للسيادة الوطنية، ومطرقة دول الخليج الرافضة كل الرفض تمثيل الحزب في الحكومة.

أخيرًا، لا يجب أن يكون لبنان متموضعًا في المحاور المتقاتلة، لهذا يحاول ميقاتي إعادة ثقة الدول العربية والمجتمع الدولي بلبنان، لتقديم الدعم ومساعدته على تخطي أزماته بعيدًا عن لغة التموضع ضمن المحاور.