الحشد الشعبي الإيراني في العراق وسورية
عندما شارك رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في العرض العسكري الكبير، الذي أقامه الحشد الشعبي في محافظة ديالى، في السادس والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، فإنه أراد من وراء ذلك الإيحاء أنه صاحب السلطة العليا في البلد، وهذا الجيش العرمرم الرديف يتبع له وفق الدستور العراقي, ولكن الحقيقة خلاف ذلك، ولم تكن المظاهر التي نقلتها وسائل الإعلام أكثر من إخراج بروتوكولي مدروس للتغطية على الواقع الفعلي، ذلك أن مرجعية الحشد الشعبي في طهران، وليست في بغداد، وهو يتبع للحرس الثوري الإيراني، وليس الحكومة العراقية. والوقائع كافة، منذ مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وزعيم الحشد أبو مهدي المهندس في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020، تؤكد أن الحشد بات أكثر تبعية لطهران، وقوته في تزايد مستمر، ليصبح صاحب القرار الأمني والسياسي في العراق، على غرار ما هو عليه حزب الله في لبنان.
ومنذ عدة أيام، يقوم الحشد الشعبي بعمليات ضد القوات الأميركية في سورية، بعد أن تمرّس على هذا الأسلوب في العراق، وأجاده على سبيل الثأر لمقتل سليماني والمهندس. وعلى أثر العملية العسكرية الأميركية ضد "كتائب سيد الشهداء"، أحد فصائل الحشد على الحدود السورية العراقية في السابع والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، كثف الحشد من عملياته ضد القوات الأميركية في العراق وسورية، والتي صارت شبه يوميه. والملاحظ أن العمليات في تزايد، وباتت أكثر تركيزا من السابق، الأمر الذي يكشف عن تخطيط دقيق وأهداف بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن طهران تحاول أن توحي بأن العمليات تتم من دون موافقتها، صار واضحا أنها رسائل سياسية تبعثها إيران إلى الولايات المتحدة. وهي تستخدم الأسلوب ذاته الذي اتبعته في لبنان واليمن، ويظهر ذلك من خلال منظومة الأسلحة التي يمتلكها الحشد، وخصوصا آخر طراز من الطائرات المسيّرة التي تصنعها إيران، وتسلّح بها الأطراف التابعة لها.
تكرار العملية والتقنية التي تتم بها يعكس أن الحشد الشعبي قطع شوطا كبيرا على صعيد بناء نفسه، وصار راسخا، ويصعب القضاء عليه أو إلغاؤه بسهولة. وسواء حصل تفاهم بين طهران وواشنطن أو لم يحصل، فإن الحشد قطع مرحلة ما قبل السيطرة على قرار الدولة العراقية. ولذلك لم تكن مصادفة الدعوة التي أطلقها قادة في الحشد لتأجيل الانتخابات التشريعية المقرّرة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. الأمر الذي يعد إشارة صريحة إلى أن الحشد لم يعد قوة عسكرية فحسب. وعلى الرغم من أنه قوة سياسية في البرلمان الحالي، فإن عينه على رئاسة الوزارة في الانتخابات المقبلة، وفات الوقت الذي يمكن للكاظمي وحلفائه قطع الطريق على هذا المخطط الذي ترعاه طهران.
الهدف المعلن من الحشد الشعبي للعمليات العسكرية ضد القوات الأميركية هو إخراجها من العراق أولا وسورية لاحقا، وهو أمرٌ جرى تقنينه باتفاقات مع الحكومة العراقية، وكان يبدو قبل ذلك من الشعارات التي تثير السخرية، ولكنه تحوّل إلى أمر واقع، بعد سلسلة من العمليات العسكرية ضد الوجود العسكري الأميركي، وبات اليوم أقرب إلى التحقق. وهذا يرتّب نتائج سياسية بالغة الخطورة على العراق ودول الإقليم، فالوجود العسكري الأميركي الذي يقدّر بحوالي 2500 جندي هو العائق الأخير الذي يحول دون سيطرة إيران التامة على القرار الأمني العراقي. وفي حال حصل ذلك، يصبح الطريق مفتوحا أمام إيران من طهران إلى دمشق التي يحتفظ فيها الحشد الشعبي بحضور كبير، بالإضافة إلى وجوده المباشر وقواعده المنتشرة على الحدود العراقية السورية في محافظة دير الزور والبادية، وذلك تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وقيادته.