"الجنايات الدولية" بين العدالة وموازين القوى

30 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

قرار محكمة الجنايات الدولية بخصوص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت على قدر كبير من الأهمية، ولا تقلّل من قيمته ووزنه معارضة الولايات المتحدة، وتهديدها بمنع تطبيقه بالقوة، بل على العكس، ردّا فعل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب يؤكّدان دور أميركا ودعمها غير المحدود الحرب الإسرائيلية على غزّة، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقف بقية الدول، التي تفاوتت بين أقلية معارضة للقرار وأكثرية ترى في المحكمة الجنائية الدولية ضمانة للاستقرار الدولي، ويجب أن تستمر في أداء عملها في جميع الحالات بطريقة مستقلة ومحايدة. وفي هذا الصدد، كما هو الحال في جميع القضايا الأخرى، لا تعارض الأكثرية الدولية إجراء المدّعي العام للمحكمة كريم خان، واعتبرت أنه يتصرّف بشكل مستقل تماماً.

بعض الدول أعلنت عن نيتها تنفيذ قرار المحكمة، لكن تطبيق القانون الدولي ليس بالأمر السهل، ولن يجد القرار طريقه للتنفيذ، مثله مثل كل القرارات الدولية السابقة، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة أو الهيئات الدولية، وجديدها أخيراً قرار محكمة العدل الدولية بخصوص الدعوة التي رفعتها ضد إسرائيل جنوب أفريقيا في نهاية العام الماضي، تحت بند "أن أفعال إسرائيل في غزّة قد تحمل طابع الإبادة الجماعية"، والمهم أن هذه المحكمة، وهي أعلى سلطة قانونية في العالم، حدّدت بوضوح موقف القانون الدولي من القضية. ورغم أن إسرائيل لم تلتزم بما صدر عنها، فإن القرار جعل من الصعب جدّاً على تل أبيب الدفاع عن سياساتها، باعتبارها قانونية بموجب القانون الدولي. وبالنسبة لأغلبية الدول، في هذه الحالة وغيرها، تقتضي الضرورة أن تعمل الآلية القانونية جيداً، وجميع الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ملزمة قانوناً بالوفاء بالتزامات المعاهدة. وبالتالي، هي مجبرة قانوناً على اعتقال نتنياهو وغالانت، لكن مسألة تطبيق القانون الدولي تتوقف على الإرادة السياسية في كل بلد، وهذه مسألة ليست حكماً نهائياً، بل خاضعة لموازين القوى التي قد لا تدوم في صالح إسرائيل، وربما حصلت تطورات تُجبرها على احترام القانون الدولي، القائم على الحق، وليس على القوة. ومهما يكن من أمر، لا يمكن استمرار تجاهل قرارات المحاكم الدولية مع القضية الفلسطينية، لأنه يمكن أن يؤدّي، بسهولة، إلى زيادة الاستقطاب في جميع العالم.

جاء اتهام نتنياهو متأخّراً بعد عدة أشهر من الطلب الذي تقدّم به المدعي العام إلى المحكمة، لكن صدور القرار أفضل من بقاء الموقف على ما هو عليه. إنه ذو مفعول إيجابي على غزّة والقضية الفلسطينية، ويسند مواقف الدول التي دافعت عن الشعب الفلسطيني، كما أنه يشكل، على مستوى الرأي العام العالمي، أداة فعالة في استمرار الحراك الشعبي الداعم غزّة، والذي يتظاهر على نطاق واسع من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين من القتل والتجويع، وهو، في الوقت نفسه، أفضل وسيلة من أجل فضح البروباغندا الإسرائيلية التي تعمل عبر قنوات دولية مهمّة، سياسية وإعلامية، على طمس الحقائق بشأن جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة.

ستكون للقرار آثار ملحوظة على كيفية تعامل محكمة الجنايات الدولية مع القضايا ذات الصلة في المستقبل، على الرغم من تأثيره الذي يُفترض أن يكون محدوداً على أرض الواقع في الوقت الراهن. ويتضمن ذلك الدعاوى المحتمل رفعها ضد شخصيات عسكرية إسرائيلية ذوات دور في الحرب على غزّة، وهذا يفتح الباب أمام الهيئات الفلسطينية، السياسية والقانونية، من أجل تحريك سلسلة من الدعاوى القانونية.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر