الجديد وغير الجديد في إعلان القدس

الجديد وغير الجديد في إعلان القدس

19 يوليو 2022

بايدن ولبيد في القدس يوقعان إعلان القدس (14/7/2022/فرانس برس)

+ الخط -

لا جديد في إعلان أورشليم القدس الاستراتيجي الموقع أخيرا بين أميركا وإسرائيل، حين يتحدث عن تعزيز قوة إسرائيل، والحفاظ على أمنها، ومحاربة أعدائها، التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي الأميركي، فهذا ليس جديداً.
ولا جديد فيما ورد في الإعلان عن عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، مع استعداد أميركا لاستخدام كل عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة، مع الالتزام الأميركي بالعمل مع شركاء آخرين لمواجهة عدوان إيران، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار، بشكل مباشر أو من خلال وكلاء المقاومة ومنظماتها؛ مثل حزب الله، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فهذا هو الموقف المعلن والرسمي المسبق للطرفين الموقعين على الإعلان.
ولا جديد حين تعتبر الولايات المتحدة أمن إسرائيل ضروريا للمصالح الأميركية، وركيزة للاستقرار الإقليمي، ولا جديد حين تدعم مذكرة التفاهم إسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، إضافة إلى مليار دولار تمويلا تكميليا للدفاع الصاروخي، جراء معركة سيف القدس، فهذه المبالغ وافقت عليها الإدارات الأميركية السابقة.
ولا جديد في تعزيز التعاون في مجال تقنيات الدفاع المتطورة؛ مثل أنظمة أسلحة الليزر عالية الطاقة؛ للدفاع عن الأجواء الإسرائيلية، فالشراكة العسكرية والأمنية قائمة بين إسرائيل وأميركا منذ عقود، ولكن الجديد في هذا الشأن إضافة جملة "والدفاع عن أجواء الشركاء الأمنيين الآخرين للولايات المتحدة وإسرائيل في المستقبل".
ولا جديد في إعلان القدس عن محاربة كل الجهود الرامية إلى مقاطعة إسرائيل، أو نزع الشرعية عنها، أو إنكار حقها في الدفاع عن نفسها، أو استبعادها بشكل غير عادل من أي منتدى، بما في ذلك في الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، وتعربان عن رفضهما حملة المقاطعة. وهنا لا بد من الإشارة إلى الموقف الأميركي من محكمة الجنايات الدولية، وانسجامه المسبق مع الموقف الإسرائيلي.

اعتمد إعلان القدس التقويم اليهودي ولهذا دلالات تاريخية ودينية، تفضح أطماع الصهاينة بعيدة المدى

ولا جديد في الحديث عن الالتزام الأميركي بمواصلة لعب دور نشط في بناء هيكل إقليمي قوي، وتعميق العلاقات بين إسرائيل وكل شركائها الإقليميين، ودفع التكامل الإقليمي مع إسرائيل مع مرور الوقت، وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية، وأزعم أن هذا الأمر قائم على أرض الواقع، وتعمل له إسرائيل منذ سنوات، وقد جرى توظيف السياسة الأميركية لهذا الغرض منذ سنوات.
ما هو الجديد في إعلان القدس؟ أولاً: اعتمد إعلان القدس التقويم اليهودي نداً للتقويم الغربي، فجاء في الإعلان. لقد جرى التوقيع في القدس بتاريخ 14 يوليو/ تموز 2022 الموافق لتاريخ 15 تموز 5782 بحسب التقويم اليهودي. وحرّر الإعلان في نسختين، باللغتين، الإنكليزية والعبرية، وفي اعتماد التقويم اليهودي دلالات تاريخية ودينية، تفضح أطماع الصهاينة بعيدة المدى، وتسلط الضوء على رؤيتهم المستقبلية للعالم.
ثانياً: حين أشاد إعلان القدس باتفاقيات السلام الموقعة بين مصر والأردن، تجاهل اتفاقية أوسلو، وتجاهل مجمل الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين، ولم يمتدح إعلان القدس علاقة التنسيق والتعاون الأمني القائمة مع السلطة الفلسطينية.
ثالثاً: يرسم الإعلان طريق المستقبل للشراكة بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية، حين أشاد بالتطبيع مع بعض الدول العربية، وامتدح مؤتمر النقب الإقليمي، وقمة النقب بمشاركة أميركا وإسرائيل وأربع دول عربية، واعتبر ذلك حدثا بارزا في الجهود الأميركية الإسرائيلية المشتركة لبناء إطار إقليمي جديد يغير وجه الشرق الأوسط. فجملة "إطار إقليمي جديد يغير وجه الشرق الأوسط"، وترسم هذه الجملة معالم مرحلة سياسية غير مسبوقة في البلاد العربية.
رابعاً: تنكر إعلان القدس المشترك لحل الدولتين، فجاء في البيان: "ويعيد الرئيس بايدن التأكيد على دعمه الطويل الأمد والمتواصل لحل الدولتين". وتؤكد هذه الفقرة على أن الرئيس بايدن هو الذي يدعم حل الدولتين، وقد تنصّلت إسرائيل من هذا التعهد.
خامساً: وهو الأهم، اعتمد إعلان القدس فقرة خطيرة: "تؤكد الولايات المتحدة وإسرائيل أن القيم المشتركة بين الدولتين تشتمل على الالتزام الثابت بالديمقراطية وسيادة القانون ودعوة تيكون أولام (أو إصلاح العالم)". ما هي هذه الدعوة التي غدت جزءاً من الالتزام الأميركي؟

"تيكون أولام" أو "إصلاح العالم" فكرة يهودية قديمة تهدف إلى السيطرة على العالم الروحي للبشر، وجعلهم يسيرون في فلك اليهودية، ووفق خيالها

"تيكون" لفظة عبرية معناها إصلاح، "أولام" لفظة عبرية معناها العالم، ليكون المعنى الإجمالي للقيم المشتركة بين أميركا وإسرائيل هو "إصلاح العالم". وقد يتبادر إلى الذهن البريء أن إصلاح العالم يقوم على محاربة الأمراض وتفشّي الأوبئة، والعمل على التطور العلمي والتكنولوجي لخدمة البشرية، بما في ذلك مساعدة الفقراء، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، وتوفير المواد الغذائية، ومحاربة الفساد والغلاء، ونشر الديمقراطية ومحاربة استبداد الحكام. ولكن الحقيقة أن "تيكون أولام" أو "إصلاح العالم" فكرة يهودية قديمة، ففي البحث والتدقيق، تبين أن الفكرة ترجع إلى ما قبل ميلاد المسيح، وهي فكرة تهدف إلى السيطرة على العالم الروحي للبشر، وجعلهم يسيرون في فلك اليهودية، ووفق خيالها، وهذا هو المعنى الدقيق، أو الترجمة الفكرية لمفهوم إصلاح العالم، والتي فسّرها اليهود الأوائل أنها: "تتمثل في إزاحة (عبادة الأصنام) المقيتة من الأرض، وبذلك يجري قطع الآلهة (الزائفة) تمامًا، بعد ذلك ننشئ عالما - تحت مملكة سبحانه وتعالى".
وكما ورد في تفسير حاخامات اليهود مصطلح "تيكون أولام"، فإن إصلاح العالم يقوم على المفهوم التالي، كما يزعمون: "عندما يتخلى كل الناس في العالم عن الآلهة الزائفة، ويعترفون بالله، يكون العالم قد اكتمل". وهنا تجب الإشارة إلى أن مملكة سبحانه وتعالى في الفكر اليهودي تختلف عن سبحانه وتعالى لبقية الأديان.
ولأجل إنجاح فكرة "تيكون أولام" (أو إصلاح العالم) يحض حاخامات اليهود، والمنظرون للفكرة على اعتماد العمل الخيري أداة فعالة "لتيكون أولام"، ويتحدّثون عن منظمات خيرية عديدة مكرّسة لإصلاح العالم، ومن ضمنها الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، والتي تعمل على إحداث التغيير في أفريقيا وآسيا والأميركيتين.
فكرة "تيكون أولام" أو إصلاح العالم على الطريقة اليهودية، والتي ستكون جزءاً من الجهد الأميركي المقبل، هي الملهم الروحي للمتطرفين الصهاينة، أمثال مائير كاهانا، وهذا أكّدته جيفري كلاوسن، من جامعة أيلون، وهي تشير إلى الفكرة التي تظهر التواضع والعدالة في الظاهر، لتخفي الغطرسة والحماسة المفرطة والظلم.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة