التنمية العالقة في المغرب

التنمية العالقة في المغرب

03 يونيو 2021
+ الخط -

بعد أكثر من سنة ونصف السنة على إنشائها، قدّمت لجنة النموذج التنموي في المغرب تقريرها الختامي إلى الملك محمد السادس. ولعلّ أبرز ما يمكن استخلاصه من قراءته الأولية أنّه لم يتخطَّ ما راكمته، في هذا الصدد، تقارير ودراسات سابقة عليه. بل يمكن القول إنّه، في مواضع كثيرة، افتقد الدقة والعمق والجرأة، وظلّ أسير عمومياتٍ مجترَّةٍ. ويعود ذلك إلى الطابع الرسمي للجنة وتركيبتها، فضلاً عن غياب روح الابتكار في طريقة عملها، إذ استندت، في إنجاز تقريرها، إلى مقترحات الأحزاب والنقابات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وآراء المواطنين وتطلعاتهم. وبالتالي، لم يأتِ التقرير بجديد في ما يتعلق بالإشكال المركّب للتنمية في المغرب، واكتفى بتشخيص عام للوضعين، الاقتصادي والاجتماعي، من دون استدعاء الأسباب العميقة التي تعيد إنتاج هذه الإشكالية في ظل واقع يزداد تعقيداً، فقد أثبتت التجارب المقارنة أنّ نجاعة أيّ مشروع تنموي تتوقف على مدى قدرته على مجابهة التطور المتسارع الذي تعرفه المجتمعات المعاصرة، وتحديث مقتضياته وتصحيحها كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وعلى الرغم من أنّ التقرير أعاد إلى الواجهة قضايا بالغة الأهمية، من قبيل تطوير السيادة الصحية، وتحسين الخدمات العمومية التي تقدّمها الدولة للمواطن، لم يكن ذلك ضمن رؤية إصلاحية متسقة، تعيد الاعتبار لمنظومة السياسات العمومية، من خلال بناء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتقيد بمبادئ المراقبة والتقييم والمحاسبة.

لم يتصدَّ التقرير للإشكالات المركّبة المتعلقة بمصادر الثروة في المغرب، وكيفيات توزيعها، والعدالة الضريبية، وحصيلة المشاريع الاقتصادية الكبرى في علاقتها بضعف نسبة النمو الاقتصادي، والحصار الممنهج الذي تتعرّض له الطبقة الوسطى، وزواج المال والسلطة، وأزمة النخب المحلية، وضعف الحكم الرشيد، وغياب فصل السلطات، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتغوّل الأمني، وتردّي الحريات وحقوق الإنسان. واقتصرت معالجته هذه الإشكالات على الجوانب التقنية والإدارية والأخلاقية، فكان واضحاً تجنّب ربطها بالبنية التقليدية التي تَحكم الحقل السياسي المغربي، ومسؤوليتِها عن المأزق التنموي الذي يعرفه المغرب منذ عقود. وكان لافتاً أنّ التقرير تجنب، بما لا يخلو من دلالة، الاقترابَ من الخطوط الحمراء، مستعيضاً عن ذلك بكلام مكرور مستقى، في معظمه، من أدبيات التنمية، ومن تقارير ودراسات معروفة.

ولعلّ المفارقة هنا أنّ اللجنة لم ترقَ حتى إلى ما أكده الملك محمد السادس بشأنها، حين قال بالحرف: ''ننتظر منها أن تباشر عملها، بكل تجرّد وموضوعية، وأن ترفع لنا الحقيقةَ، ولو كانت قاسية ومؤلمة، وأن تتحلّى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول''. فما الذي منع اللجنة، إذاً، من أن تضع يدها على الأسباب التي تحول دون بناء نموذج تنموي متوازن ومنتج، يستجيب لانتظارات المغاربة وتطلعاتهم؟

لا يمكن فهم المأزق التنموي للمغرب، وتفكيك حلقاته، بعيداً عن الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ الاستقلال. ومن ثم، ليس الرّيع مشكلة أخلاقية وقانونية وإدارية، بقدر ما هو مشكلة سياسية تحيل إلى منظومةِ فسادٍ متجذّرةٍ ترعاها السلطة وشبكات النخب، التي ترى في ممارسة السياسة والتحكمِ في قنواتها مغنماً اجتماعياً وطبقياً، يتيح حيازة السلطة والنفوذ والامتيازات، في وقتٍ تزداد مظاهر الفقر والهشاشة والحرمان والتميز الاجتماعي والإقصاء من المشاركة المنتجة في المجتمع.

في الصدد ذاته، أخفق التقرير في وضع رؤية استشرافيةٍ واقعيةٍ لمستقبل المغاربة، فإنجاز إصلاحاتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ في أفق 2035 يبقى غير واقعي، فإذا كانت اللجنة ترى أنّه لكي ينجح النموذج الجديد ينبغي أن تناهز نسبة النمو 6% أو7%، فإنّ ذلك يبدو بعيداً عن واقع الحال، فمعظم المشاريع والمخطّطات الاقتصادية التي سبق أن أطلقتها الدولة، إبّان العقدين المنصرمين، لم تحقق النتائج المرجوّة منها. وبالتالي، ظلت نسب النمو ضعيفةً بسبب الاختلالات البنيوية التي يعرفها الاقتصاد المغربي.

قدّمت لجنة النموذج التنموي تشخيصاً عاماً لواقع التنمية في المغرب، لكن من دون أن تتصدّى للأسباب السياسية التي تقف حجر عثرة أمام بناء نموذج تنموي، يعيد النظر في آليات خلق الثروة وإعادة توزيعها بما يضمن استفادة المغاربة، بمختلف فئاتهم، منها.