الترياق في إسقاط الأسد العملاق

16 يناير 2025
+ الخط -

أنكر علينا أحد "المؤسّرين" السوريين فرحنا، واحتفالنا المتواصل بسقوط طاغية القرن، لا بل الحقبة، لقد أسقطنا فرعوناً أشدّ وأطغى من فراعين مصر جميعاً، السابقين واللاحقين، بل الجن والإنس أجمعين، من غير الحاجة إلى قنبلتيْن نوويتين، كما وقع في اليابان، وقد أجبرتا إمبراطور اليابان على إنكار انتسابه للآلهة والإقرار ببشريّته. مع أن الشعب السوري ضحّى بأضعاف ما ضحت به اليابان، وسلخناه من ألوهيته وربوبيّته، وجعلناه لاجئاً معزولاً، مطروداً، في بلاد الفودكا الموحشة.

ما زلتُ أستيقظ كل يوم، وأنظر إلى المرآة، فيسألني الرجل الذي يظهر فيها: وهو رجل يشبهني الخالق الناطق الفالق الرازق، كأنه توأمي: ما شعورُك بعد سقوط الأسد؟ وليس عندي سوى جواب واحد، وهو ما قاله سهيل النمر "للمؤسّر" شادي حلوة: أنت "تكسر" من الأسئلة. كان الأسد قد قدم من قرية القرداحة إلى كوكب سورية، وقد سمع بموصل حراري فائق الإيصال هو السوري، يوصل بدرجة حرارة الغرفة، فتسلل إلى عاصمته واستعبد أهلها بسلاح الدولة وقوة القانون.

كان الموصل السابق سبب احتلال الأميركان كوكب باندورا، في فيلم الافاتار، وإن مثل حافظ الأسد العقيد مايلز كوارتش في الفيلم، أكثر الأفلام ربحاً في تاريح شباك التذاكر حتى حينه، يقفز العقيد من طائرته الساقطة بسهم سولي إلى قمرة رجلٍ آلي عملاق، فيقوده، ويصارع جيك سولي، وكان حافظ الأسد قد ركب سورية العملاقة، فأصبح بقوتها، وقوة تاريخها، ومكانتها، وقوة شعبها الجبار، الذي يصفه مؤرّخون بأنه أشدُّ الشعوب العربية وأذكاها وأعزّها، تؤازره شهادات التاريخ وآثار نبوية، ومع قوة سورية قوة دولة إقليمية هي سليلة الإمبراطورية الفارسية، وقوة دولتين نوويتين، هما روسيا والصين، صاحبتا حقّ النقض في مجلس الأمن، وقوة أميركا التي كانت تؤازر الأسد بصمتٍ في عهد أوباما، وقوة إسرائيل أيضاً، فقد كان الأسد من حرّاسها، فأصبح الأسد رجلاً خارقًاً جباراً مارداً عتيّاً، مثل عوج بن عنق في الأساطير، ولم يسقط إلا بمئات آلاف من الشهداء، ومئات آلاف من الثكالى، ووجدت عبارة إن حدثاً مثل هذا لا يقع إلا كل ألف سنة مرّة مناسبة للتعبير عن إسقاط هذا الجبار، وإن نسبة وقوع ما وقع لا تعادل واحدا بالمليار، فلم يكن أحد يصدّق أن ينتهي الأسد، صاحب الأبد، هذه النهاية الرائعة؛ هارباً، لاجئاً، منكسراً، من غير كلمة وداع، مجللاً بالعار الصافي، وهي نهاية لم أكن أحلم بها في أحلام اليقظة، وكنتُ كل يوم أرتّب أحلام يقظتي، فألبس عباءة سوبرمان، فلا أجد سبيلاً لتحرير المعتقلين والمعتقلات، لقسوة الواقع وعوائق السياسة.

وقعت المعجزة في عصر ينكر المعجزات، وإن نهاية بشّار الأسد متجانسة مع تاريخ رجلٍ سعى إلى تجانس شعبه، فجنّس مئات الألوف من الأفغان والإيرانيين بالجنسية السورية، وقد كان الرجل متجانساً مع نفسه، وقد خيّر كثيراً، فاختار الحرب، فما أحسنها من خاتمة، فلو أنه أسر، ووقف أمام الكاميرا والمحقّقين، لقال عباراتٍ قد تأسر قلوب محبّيه أو مبغضيه، مثل عبارة حسني مبارك في مصر: لن أموت إلا على ترابها، وقد دافعت عن أرضها. صمتَ الرجل، وسكت، وكان سكوتُه من ذهب، فليس عنده ما يُقال بعد صيدنايا، حتى أنّ الرسالة التي نسبت إليه، وهي رسالةٌ من تحت الزفت، مهينة، فقد فسّر الماء بعد الجهد بالماء. رأينا في سجون صيدنايا ما لا عين رأت، وسمعنا من شهادات عتقائها ما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وكنّا محرومين من رؤية القنيطرة المحرّرة، فرأيناها، ورأينا المراسلين في عاصمة الأمويين، وشهدنا أعلام النظام وهم "يكوّعون" في المنعطف التاريخي، إن نزع ملك هذا الطاغية ليستحق عرساً طويلاً، فقد حصلنا الحسنيين؛ الشهادة لمن استشهد والنصر لمن حييَ، وثالثة حسنة جميلة: أخزينا الطاغية وأتباعه، وحرّرنا "الموصل الحراري"، وزعلنا المؤسّر المذكور أعلاه، الذي قلق من لحية القائد الجديد، لأنها مشوّكة، عند القبلات. ما يخزك، أيها المؤسّر، ليس لحية أحمد الشرع، وإنما المسلة في جيبك، والضغينة في قلبك الذي أُشرب العجل.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر