التجربة المغربية: الدرس الخاطئ

التجربة المغربية: الدرس الخاطئ

12 سبتمبر 2021

قياديون في أمانة حزب العدالة والتنمية العامة تعلن في الرباط استقالتها (9/9/2021/فرانس برس)

+ الخط -

أغلب المقالات والتحليلات المتعلقة بقراءة الهزيمة الانتخابية - السياسية المدوية لحزب العدالة والتنمية المغربي وتفسيرها شملت مقارباتها أغلب الأسباب والعوامل: التنازل عن الهوية الإسلامية مقابل هويةٍ غير واضحة، التطبيع مع إسرائيل، التعايش مع الاستبداد أو السلطوية، عدم تقديم حلولٍ حقيقية للأزمة الاقتصادية... إلخ.

ذلك كلّه صحيح، ولا خلاف عليه اليوم بين أغلب المحللين، لكنّها حكمةٌ بأثر رجعي، فبالعودة إلى الوراء قليلاً، فقط قبل أشهر، كانت الغالبية العظمى من المراقبين والدارسين ترى في النموذج المغاربي (المغرب، تونس...) حالة متقدّمة على الإسلام السياسي في المشرق العربي، وتتميز هذه التجربة (المغاربية) بالبراغماتية، فماذا حدث حتى تهاوى هذا النموذج سريعاً وبصورة خاطفة في تونس ثم في المغرب؟

بالضرورة، الأسباب ليست مشتركة أو متشابهة بالتأكيد. إذا كان هنالك ما يجمع التجربتين، في ظني، فهو أنّ تجارب الإسلام السياسي عموماً أثبتت أنّها في مرحلة المعارضة والقوة والخطاب الاحتجاجي أقوى، وهي أكثر قدرة على التكيف مع الضغوط المرتبطة بالاعتقال والنفي والشعور بالمظلومية بينما تعجز في السلطة عن التعامل مع استحقاقات الدولة والحكم، داخلياً وخارجياً، فضلاً أنّها تنكشف سريعاً أمام الجماهير عندما تفشل في تحقيق، ولو جزءا بسيطا من وعودها، بخاصة أنّها كانت تستخدم لغةً شعاراتيةً مطلقةً، بينما الوضع في الحكم مختلفٌ تماماً، كما هو معروف.

أمّا في الحالة المغربية، فهنالك درسٌ مهمٌّ أثبتته التجربة، وهو الفرق البائن والشاسع بين الواقعية (البراغماتية) من جهة والذرائعية أو الانبطاحية من جهةٍ أخرى، وإذا كانت الأولى مطلوبة، ليس فقط على صعيد الإسلاميين، بل عموم الأحزاب السياسية الأيديولوجية، فإنّ الثانية تؤدّي إلى نتائج عكسية، وهي تعني الانتهازية أو التسويغ، والقبول بالأمر الواقع كما هو، من دون القدرة على تغييره أو إصلاحه، ولو حتى بصورة متدرّجة، وهذا ما حدث غالباً مع تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكومة.

الواقعية المطلوبة هي الواقعية النضالية التي تؤدّي إلى إحداث أثرٍ وتغييرٍ، ولا تكتفي بالقبول بالواقع، بل إدراكه ومعرفة موازين القوى والتعامل مع متغيراته، وصولاً إلى الانتقال نحو الأفضل، وبإسقاط ما حدث مع تجربة "العدالة والتنمية" في المغرب، فإنّهم حلّوا في السلطة من دون تحقيق ذلك والوصول إليه، بل أصبحوا جزءاً من ماكينة الأمر الواقع وديناميكياته، ومن تسويغه والقبول به، فلم يتحسّن مسار الحريات العامة وحقوق الإنسان، ولا تطوّرت الحالة الديمقراطية بصورة ملموسة، ولم يقدّموا برامج اقتصادية تؤدّي إلى تحسّن أوضاع المواطنين، بل دخلوا في لعبة التطبيع مع إسرائيل، وقبلوا الخسارة الشعبية الفادحة فيها، حتى بلا مقابل سياسي أو استراتيجي، وربما بلا مبرّر.

بعد ذلك؟ من الضروري مراجعة ماذا كسب الحزب وماذا خسر. قد تكون هنالك محاولات إصلاح جزئية، هنا وهناك، وتحسينات في مجالات متعدّدة، لكن حجم ذلك ضمن الصورة الكلية كان ضئيلاً ومحدوداً، فكان بحسبة الربح والخسائر للحزب فجوة كبيرة جداً.

بالضرورة قد يكون، وذلك على الأغلب، لدى حكومة "العدالة والتنمية" وقيادته قراءتهم الخاصة لما قاموا به من إنجازات أو تحدّيات واجهوها، وكيف تعاملوا معها، لكن ما يهم المواطن البسيط هي قضايا محدودة وعناوين واضحة: أنّنا اخترناكم نتيجة خبرتنا معكم في المعارضة، وكان خطابكم ناقداً ورافضاً سياساتٍ عديدة، واليوم أخذتم فرصة كبيرة (بالنسبة لـ"العدالة والتنمية" في المغرب عقد، وهي فترة كبيرة مقارنة بأحزاب إسلامية أخرى)، والنتيجة لم تتغير لا سياسياً ولا اقتصادياً، ولا حتى على صعيد الشعارات الدينية والهوية التي كنتم قد استثمرتم فيها خلال العقود السابقة، فلماذا ننتخبكم اليوم؟!

لكن الدرس الأهم، حتى لا نأخذ الدرس الخاطئ من التجربتين، التونسية والمغربية، أنّ الحل لا يكون، في المقابل، باللجوء إلى العمل السرّي أو العنف أو التمسّك بالخطاب الأيديولوجي غير القادر على تقديم الحلول، فإذا كانت هنالك تعثرات من المسار الديمقراطي، فلا يعني أنّ المسارات الأخرى التي جُرّبت كثيراً، كانت أفضل، بل جرّت ويلاتٍ أكبر، فمن المهم تعلّم الدروس الصحيحة، لكنّ الكارثة أخذ الدروس الخاطئة!

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.