البديل الذي يمثّله أياد علاوي

18 فبراير 2025
+ الخط -

أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، أياد علّاوي، مطلع الأسبوع الجاري، عن تحالف سياسيّ جديد تحت اسم "التجمّع المدني الوطني العراقي"، بهدف المشاركة في الانتخابات المؤمّل أن تجري في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وقد أعاد علّاوي، بوجه متعب وصوتٍ منهك، أمام وسائل الإعلام، تصوّراته السابقة التي أعلن عنها في لقاءات ومناسبات سياسية كثيرة، فهو ضدّ الطائفية وضدّ المحاصصة، ولكن من دون أي توضيحات جديدة عن الكيفية التي سيفكّك بها هذه البنية الصلبة التي قام عليها النظام السياسي في العراق على مدى العقدين الماضيين. وكان علّاوي بتوجّهاته العلمانية والمدنية ذاتها قبيل انتخابات 2021، ونزل بتحالف سياسي سماه "الجبهة الوطنية المدنية" ولكنه لم يفز بأي مقعد، واعترض من ضمن المعترضين على الانتخابات واتهمها بالتزوير.

نقطة الذروة في مسار أياد علّاوي السياسي هي لحظة إعلان نتائج الانتخابات في مارس/ آذار 2010. حيث دعمه العلمانيون الشيعة والسنّة ومنحوه 91 مقعداً في البرلمان الجديد ليكون صاحب الرصيد الأعلى من بين الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات. وهناك من يقول إنه نفسه كان مفاجأً بالنتيجة، بالإضافة الى الصدمة المحزنة التي شكّلها هذا الفوز لتحالف نوري المالكي الذي جاء ثانياً بـ 89 مقعداً، وحصل تحالف الائتلاف الشيعي على 70 مقعداً. لكن المراقب للساحة السياسية ومزاج الشارع العراقي لم يكن مفاجأً، فالمجتمع العراقي الخارج تواً من آثار الاحتراب الأهلي الذي طبع العقد الأول من العملية السياسية العراقية كان يبحث عن صوت جديد غير تنابز المتطرّفين السنّة والشيعة على شاشات التلفزيون، ويريد أن يغادر ما خلّفه هذا الصراع من آثار قاسية في الحياة العراقية. ولم يعد التخويف بالآخر المغاير طائفياً كافياً للتعبئة الانتخابية. ولكن هناك، على الهامش، من كان يرى أن فوز علاوي كان بسبب خطأ إجرائي، هو عدم اتحاد الأحزاب الإسلامية الشيعية في كيان انتخابي واحد، فنزلت هذه الأحزاب بقائمتين؛ واحدة بزعامة المالكي وأخرى بزعامة مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم وبعض الكيانات الشيعية الأخرى.

جرى "تصحيح" هذا الخطأ بقرار من المحكمة الاتحادية العليا بأن الكتلة الكبرى هي التي يمكن أن تشكّل داخل البرلمان وليس قبل ذلك. فقامت الأحزاب الشيعية التي أعادت توحيد نفسها بكتلة واحدة بتفكيك الكيان السياسي الانتخابي لأياد علّاوي على أساس طائفي، وخسر الرجل، بهذه الحيلة، الانتخابات التي ربحها أصلاً.

كانت ضربة قاسية للرجل، وصدمة للجمهور الذي خرج للانتخابات ليصوّت له. لقد قدّمت المحكمة الاتحادية في تلك الانتخابات درساً للجمهور العام بأن الإرادة الشعبية غير قادرة على تغيير مسارات العملية السياسية. وعلى الرغم من عودة أياد علاوي للمشاركة في الدورة اللاحقة في 2014، إلا أن زعماء السنّة فهموا الدرس ونزلوا بقائمة خاصّة بهم، وتراجع عدد المقاعد التي حصل عليها أياد علاوي بشكل كبير، الى 29 مقعداً، ثم لينزل العدد الى 21 مقعداً في انتخابات 2018.

خلال هذا المسار الطويل الذي انتهى الى لا شيء بعد انتخابات 2021، والإصرار الصلب لأياد علاوي على البقاء جزءاً من العملية السياسية، لم يبد أن الرجل مطّلعٌ بما فيه الكفاية على المتغيرات العاصفة التي حصلت على الساحتين الاجتماعية والسياسية في العراق، وعلى الرغم من دفعه لابنته سارة الى واجهة النشاطات المدنية والسياسية بشكل خجول، إلا أنه ليس منفتحاً بما فيه الكفاية على الشباب، الذين يشكّلون اليوم الجسم الانتخابي الأكبر في العراق. ولم ينظّم تياره السياسي مؤتمرات أو حلقات نقاشية كي يسمع من هؤلاء الشباب، وليس حريصاً على تبنّي سياسيين جدداً من بين الشباب.

الأشهر القليلة المقبلة ربما هي فرصة لإعادة إحياء المسار السياسي لرجل مؤمن فعلاً بالعلمانية والدولة المدنية، ولكن هل تساعده صحّته على ذلك، وهل هذه المدّة كافية لمدّ جسور الثقة مع الشباب المتحمّسين للانتخابات؟ أم أن هذه الحماسة تبحث عن بديل أكثر ديناميكية ويفهم أن المزاج العام قد تعرّض الى هزّة عنيفة ما بعد تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأن جزءاً كبيراً من الجمهور يتطلّع الى بديل حقيقي عن تيارات الإسلام السياسي. بديل ينبثق من بين الناس، ولا يخرج فجأة من على المنابر الإعلامية.