البحث عن أمل يمنحه فوز بايدن للفلسطينيين

البحث عن أمل يمنحه فوز بايدن للفلسطينيين

18 نوفمبر 2020

بايدن وعباس بعد مباحثات بينهما في رام الله (9/3/2016/الأناضول)

+ الخط -

تشكل الانتقالات الديمقراطية أو غير الديمقراطية، في بلدان عديدة، مساراً جديداً نحو تغيير نسبي، قد يفيد وقد لا يفيد، بقدر ما يضع الأمور على محكّ صراعات جديدة، ومنازعاتٍ بين القوى السياسية، قد تعقّد الأمور، ولا تقودها إلى إنتاج وبلورة حلول مرضية ومقنعة للجميع. هكذا هي الأمور اليوم في بلدان عديدة عبر القارات المختلفة، حيث يتنازع طرفا الانتخابات أو أطرافها، كل بطريقته المختلفة، في عدم إظهار رضاه عن نتائجها، طالما هي ليست في صالحه، لا فرق بين ديمقراطية هنا أو لا ديمقراطية هناك، فالأمر سيّان، حيث الشخصنة باتت تتحكّم بعمليات الاقتراع والانتخاب، المحكومة لقوانين معوجة بالأساس، لا تعطي لكل ذي حقٍّ حقه، وإنما تنحاز على الدوام لسلطة قهرية حاكمة، أو لسلطاتٍ عميقة، تعمل مرّات في العلن ومرّات في الخفاء، لمصالح أصحاب السلطة القهرية وعصاباتها ومافياتها، ومن يمولها ويقف خلفها من طغم المال والسياسة والعسكرة والاقتصاد والتجارة.. إلخ من مراكز السيطرة في انقيادها الأعمى لمصالحها ومصالح الطغم الأوليغارشية من أرباب الهيمنة وشراكاتها الزبائنية في الداخل والخارج.
لقد مثّلت الانتخابات الإسرائيلية أخيراً، بنتائجها غير الحاسمة، واحداً من تداخلات غرائبية بين السياسة والعسكرة والحزبية واللاحزبية، وتعليب الشخصنة وتغليبها على كل ما عداها من أصول العملين، الحزبي والسياسي، وتجاوزاتٍ فاقعة لقوانين انتخاب معلبة، سيما حين تنتج حكومة هجينة، تنتهز أطرافها كل فرصةٍ ممكنةٍ للقفز نحو سلطة الغلبة والتشبث بها، ولو بلغت عتيها، كما في حالة رئيس الحكومة الحالي، نتنياهو، وما قد تبلغه حالة الشريك الراهن، بيني غانتس، رئيس حزب أزرق أبيض، في حال واصل نتنياهو ألاعيبه وخدعه ومماطلاته للبقاء في السلطة، قبل تعرّضه للمساءلة القضائية إزاء قضايا فساد مرفوعة ضده، في حال مغادرته رئاسة الحكومة ورفع الحصانة عنه.

تمثل هزيمة ترامب الانتخابية انتكاسة لنتنياهو الذي قد يجد نفسه في مواجهة أعاصير ما تسمى صفقة القرن

ويبدو أن الانتخابات الأميركية، قبل أيام، لم تعد تختلف عن أي انتخاباتٍ في العالم الثالث، لجهة عدم احتكامها لقوانين ناجزة، لا يمكن التلاعب بها وبنتائجها، كما بدت الأمور مع بداية صعود دونالد ترامب، وما أثاره وأثارته تلك الانتخابات من انقساماتٍ وخلافاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ حزبيةٍ وغير حزبية، أوهنت تجارب "الديمقراطية الأميركية" التي احتكمت، على الدوام، لهيمنة المجمع السياسي والعسكري والمخابراتي الأمني؛ الحاكم الفعلي للولايات المتحدة، وتوجيهاته وتوجهاته غير الديمقراطية في مطلق الأحوال، حتى في عزّ التغني بديمقراطية الآباء المؤسسين؛ وها هي تصاب اليوم بمتلازمة الأبناء العاقين، وعنصرية اليمين المتطرّف الذي أوصل ترامب إلى السلطة، وفي نية هذا الأخير عدم مغادرتها، وعدم التسليم بهزيمته لمنافسه الديمقراطي جو بايدن. 
في كل الأحوال، تمثل هزيمة ترامب الانتخابية انتكاسة لنتنياهو الذي قد يجد نفسه في مواجهة أعاصير ما تسمى "صفقة القرن" التي حقق ترامب فيها معظم ما أراده نتنياهو منه ومنها لصالح كيان الاغتصاب الاستيطاني الاستعماري في فلسطين، على حساب الفلسطينيين وهويتهم الوطنية العربية، وباستعمال أدواتٍ سلطويةٍ عربيةٍ، لا انتماء لها لهذه الأرض وهويتها العربية، حتى صارت الخيانة وجهة نظر، يفاخر بها أصحابها بتفاهة وحقارة منقطعتي النظير، على قاعدة تزوير التاريخ والجهل به، وتجهيل الأجيال بوقائعه وسردياته، وترذيل قيم الانتماء للعروبة وللدين وللإنسانية وأخلاقياته.

هل يستطيع بايدن إنقاذ ما جرى تخريبه وتدميره على امتداد السنوات الأربع من حكم ترامب؟

هل فاز جو بايدن في هذه الانتخابات فوزه الحاسم ضد ترامب والترامبية واليمين العنصري؟ وما الذي يترتب على هذه الانتقالة التي قد تكون نوعيةً في حال لجأ الديمقراطيون إلى مناقضة أهداف اليمين المحافظ الأميركي ومناهضتها، وما خرّبوه خلال السنوات الأربع المنصرمة، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان والصحة والسلام والاستقرار والأوضاع المالية المهتزّة بفعل أنانية (ونرجسية) السياسات التي جرى تبنيها من شخص الرئيس المهتز بالأصل، كما وبفعل سياسات إدارةٍ خضعت بالأوامر لشخصنة مريضة، ومتلازماتها الأكثر اعتلالاً مرضياً. 
أي أملٍ إذاً يمكن أن يمنحه فوز الرئيس جو بايدن للفلسطينيين، وهل يستطيع إنقاذ ما جرى تخريبه وتدميره على امتداد السنوات الأربع من حكم ترامب؟ وإصلاح ما لحق بالمؤسسة الأميركية من عزلة واعتزال السياسة والدبلوماسية، والارتهان لمصالح وعلاقات شخصية وزبائنية قلّ نظيرها في تاريخ الولايات المتحدة ورؤسائها المتعاقبين؟
ليس في السياسة والعمل السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية جوائز ترضية بالمجان، وليس هناك ما يمكن أن يحدث بدون سعي إلى إحداث ما نرغب ونودّ ونتمنى أن يحدث، لهذا تقع على الفلسطينيين مسؤولية مصيرية في إحداث تغيير جوهري لدى ذواتهم، وفي سياساتهم الموحدة، والخروج إلى العالم بموقفٍ وطنيٍّ موحد ومتماسك، قادر على الاستجابة لأهداف (وتطلعات) الأكثرية الكاثرة من الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، بغض النظر عن مطامح سلطوية هنا وهناك وهنالك، وإلا لن يكون بايدن وإدارته أكثر "ملكيةً" من إدارة أوباما، كي يقدّموا حلولاً جاهزة ترضي الفلسطينيين وتتجاهل تماماً ما تحقق للإسرائيليين على يدي ترامب وإدارته، ففي العادة لم تعتد الإدارات على تغيير سياساتها دفعة واحدة، ولا حتى بالتقسيط، طالما أن هناك لوبيات تضغط وتمتلك، من عناصر الضغط الصهيوني واليهودي، ما لم يمتلكه العرب أجمعون في عز أيام تضامنهم، فكيف هو الحال في غابر زمان تفتّتهم وتفكّكهم، وتحالف بعضهم المكشوف مع كيان الاحتلال الاستيطاني في فلسطين، ضد فلسطين وشعبها وشعوبنا العربية وكامل المنظومة التحرّرية والإنسانية عبر العالم؟

هل يستطيع بايدن إنقاذ ما جرى تخريبه وتدميره على امتداد السنوات الأربع من حكم ترامب؟ وإصلاح ما لحق بالمؤسسة الأميركية من عزلة واعتزال السياسة والدبلوماسية

وإذا كانت التوقعات شيئًا، والوقائع شيئاً آخر، فهل من المتوقع أن تتراجع إدارة بايدن عما هو جوهري من قرارات الإدارة الترامبية؟ خصوصاً بالنظر إلى خلفية معارضته مخططات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وانسجاماً مع الإجماع الدولي الذي ينظر إليها في مخالفةٍ صريحةٍ مع القانون الدولي. هذا على الرغم مما توصف به علاقات بايدن بإسرائيل بأنها عميقة، وتتماشى مع سياسة من سبقه من إدارات، فهو مؤيد لإسرائيل وزارها في عام 1973، بعد أشهر من انتخابه أول مرة في مجلس الشيوخ. كما كان قد أكد، في خطاب له في 2015، عندما كان نائباً للرئيس السابق، باراك أوباما، التزام الولايات المتحدة "بالوعد المقدّس بحماية وطن الشعب اليهودي".
من المبكر الآن، وفق آراء وتوقعات عديدة، أن يلجأ بايدن وإدارته إلى إطلاق عملية سلام تفاوضية جديدة، على أنقاض التي أطلقها ترامب، وقطع شوطاً لا بأس به لصالح نتنياهو وأهدافه الإجرامية المتطرّفة، من قبيل التحضير للبدء بضم الأغوار، وتدمير بعض التجمعات السكانية هناك، وضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية، مع الاحتفاظ بكامل التجمعات الاستيطانية، وتحقيق بعض منجزات التحالف والتطبيع والتعاون الاقتصادي والعسكري والأمني والاستثمار السياحي والتجاري الذي بدأ بين دول "التحالف التطبيعي" وكيان الاحتلال الإجرامي في فلسطين. ولكن من المؤكد أن الإدارة الجديدة سوف تسعى إلى استعادة دور أميركا التقليدي وسيطاً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو الدور الذي لم تنجز فيه واشنطن ما يتطلبه واقع الصراع، لجهة تحقيق ولو جزءاً يسيراً مما يتطلع إلى تحقيقه الطرف الفلسطيني، المغلوب دائماً على أمره؛ كناتج من نواتج غياب وحدة وطنية حقيقية، ولتغييب دور قيادي ينسجم ويتماسك على هدف تحقيق ما ينبغي تحقيقه لصالح الفلسطينيين، كل الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، وتلك أبرز مهمات قيادة العمل الوطني الفلسطيني الموحد.

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.