الانقسام الخليجي حول إيران

الانقسام الخليجي حول إيران

01 فبراير 2021
+ الخط -

لا بد، في مطلع هذا المقال، من تأكيد صعوبة تحديد مسار، موضوعي مهني، لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، بعد الإعلان الرسمي، والمبادرة التنفيذية لخطوات ما أُطلق عليها المصالحة الخليجية، ولعل صراحتنا المهنية هنا، في بادئ التوصيف، تطرح سؤالاً مهماً لن نتوقف عنده كثيراً، بل لا بد من تجاوزه لخطوات وقف الخسائر القومية الكبرى للأزمة.
حول الوصف الأدق، وهو فك الاشتباك، وليس بالضرورة أن يُتداول التوصيف بعد المصالحة، ولكن مفهومه مهم، وهو المصطلح الذي درجنا عليه، في تقديم رؤيتنا عبر مقالاتنا منذ اندلاع الأزمة، ونحن في حالة تعاهد مع أهل الخليج، أن نصف لهم الحقيقة، ومع كل مرارتها، نُبقي التذكير بأهمية طي هذه الصفحة للشعوب قبل الحكومات.
ويقتضي مصطلح فك الاشتباك ضرورة التريّث في التعامل مع قرار المصالحة الخليجية، منذ بدءها، إذ إن الخليج العربي اليوم بعد الأزمة ليس هو ذاته قبلها، فهناك تداعياتٌ كبرى، وحتى في مستوى الضمير الفردي، لا تزال حالة القلق حاضرة، وهناك ترقّب طبيعي لكل طرف، يدرس ردود الفعل، فالبدء بفكّ الاشتباك ضرورة واقعية، إذ إن القفز إلى مستويات ما بعد الاحتفال، الشعبي والرسمي، بعودة العلاقات، مفهوم بالطبع، لكنه لا يزال يختلف، في وتيرته وفي مستويات بقية الرباعي، وبالطبع كان المدخل المركزي في جذور المعالجة هو العلاقة بين الرياض والدوحة، وهو ما أثبته مسرح فك الاشتباك كما هو مسرح الأزمة. فالتريّث والتمهل في نقل برنامج العمل يحتاج بالضرورة إلى مستويات من الثقة، حينها ستكون هناك مهمة صعبة، لتحديد أولويات مجلس التعاون الخليجي القومية الموحدة.

الدور السلبي الخطير السياسي والدموي للسياسة الإيرانية، في الهلال الخصيب وفي اليمن، مرصود بيقين، غير أن عُمان والكويت وقطر لها موقف مختلف عن خطاب المواجهة مع طهران

ولنلاحظ هنا الموقف في ما يتعلق بإيران، منذ إعلانه في البيان الختامي لقمة العُلا في الخامس من يناير/ كانون الثاني المنصرم، وقد مضى على ذلك البيان قرابة الشهر، لكن مواقف دول خليجية وسياساتها مختلفة عن نص البيان الذي حرصت عليه الرياض، وهو اختلافٌ يتزايد ولا ينقص، وأحد أهم أسبابه تعقّد الموقف الجيوسياسي بعد موسم فقدان الثقة الذي سيطر على الخليج العربي، وعودة التوازن لصالح طهران، مع المركز الغربي الذي راهن عليه بعض أطراف المجلس، وكان رهاناً واهماً للغاية.
ومن دون أي شك، الدور السلبي الخطير السياسي والدموي للسياسة الإيرانية، في الهلال الخصيب وفي اليمن، مرصود بيقين، غير أن ثلاث دول في المجلس، عُمان والكويت وقطر، تختط موقفاً مختلفاً لها، عن خطاب المواجهة مع طهران، وقد كان هذا موقف مسقط والكويت قبل الدوحة بسنوات، أي أن اختلاف التقديرات بشأن طريقة تحييد إيران لا يخص قطر، وبالتالي فأجواء القمة بشأن إيران لا تعكس الموقف الاستراتيجي في المواجهة لنصف دوله. وبعد القمة التي كان خطابها أيضا في الشق الإيراني منسجماً مع خطاب البيت الأبيض، تداعى هذا البيت الترامبي أمام الخليج، وها هو ينصرم زمنه كلياً، عندما تسلم بايدن الرئاسة، وما أعنيه هنا أن الإدارة الجديدة لجو بايدن، لن تعتمد خطة المواجهة السابقة، بل العكس. وتصريحات أعضاء في مجلس النواب والكونغرس، التي وُجهت لنقد قرار الخارجية الأميركية في آخر أيام ترامب، معارضة لاعتبار جماعة الحوثي جماعة إرهابية، تؤكد هذا الاختلاف في التعاطي، فلماذا يَحشد الخليج العربي في هذا الرهان إذن؟
دعونا هنا نلحظ عدم اهتمام واشنطن بالشعار المعتمد والمردّد لدى جماعة الحوثي، (الموت لإسرائيل الموت لأميركا، اللعنة على اليهود)، فلم تكترث الإدارة الجديدة، ولا المشرّعون المعارضون لترامب، بهذا الشعار، بل عارضوا إعلان هذه الجماعة المعروفة بتخلّفها الطائفي ووحشيتها، كجماعة إرهابية.

لماذا لا تختط دول الخليج العربي الحوار الذكي والضغوط مع إيران، وتوزع أدوارها، وتسعى إلى احتواء تداخلاتها، لصالح القضايا العربية؟

وللتوضيح، كل المؤسسات الغربية تتعامل مع جماعة الحوثي باعتبارها ذراعاً لقوة إقليمية، وهي الجمهورية الإيرانية، وبالتالي كانت هذه الهتافات سائدة في الشارع الإيراني، غير أن وجودها في الشارع، ثم نقلها أذرعها المختلفة من العراق إلى سورية ولبنان واليمن، لم يمنع الولايات المتحدة من التعاون مع هذه الأذرع، ومع المركز في طهران، في احتلال العراق وأفغانستان الذي أكده الزعيم الراحل هاشمي رفسنجاني، كقاعدة يتوافق عليها الإصلاحيون والمحافظون في إيران، وهي أن الصراع الموسمي مع الغرب لا يعارض خطط التوافق معه، في اقتسام الأرض العربية، كما أنه لم يعارض اقتسام سورية مع الروس، وإدارة اللعبة المشتركة مع تركيا بعد أن خرج العرب من القضية السورية، ولم يصححوا أخطاءهم الكبرى فيها.
ولسنا نقصد هنا أنه لا توجد مواجهة أو صراع يتطور بشراسة، أو تنخفض حدّته، بين الغرب وإيران، أو بينها وبين تل أبيب، لكنه صراع تحت السيطرة، خلافاً للموقف من تثبيت الأسد أو إسقاط صدام حسين مثلاً، والذي كان محل اتفاق من المركز الغربي، وطهران وتل أبيب، وحتى تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال، فهو يخضع لقواعد هذه اللعبة التي اقتضت بعث رسالة مبكرة إلى إدارة بايدن.
.. فماذا عن الخليج العربي، لماذا لا يدير قوته لإحراز تقدّم يُحيّد إيران من دون خدمة فواتير الغرب، بدلاً من مواسم التصعيد اللفظي العاجزة، والذي لن يغير منه رفع سقف البيانات الرسمية، فالخليج العربي في مواجهة عودة صفقة نوعية بين طهران وواشنطن، التحضيرات تعمل عليها بقوة؟
على دول الخليج العربي أن تدرك أن ضجيج الحرب على إيران، التي هي في أصلها ليست من صالح شعوب الخليج العربي، هو مواسم تصعيد يعود بعدها الطرفان إلى إنجاز جديد أو تجميد لعلاقتهما، والمستنزف الأكبر الشعوب العربية. وهنا السؤال: لماذا لا تختط دول الخليج العربي الحوار الذكي والضغوط مع إيران، وتوزع أدوارها، وتسعى إلى احتواء تداخلاتها، لصالح القضايا العربية، وخصوصا في اليمن ثم العراق وسورية، وهو العمق العربي الذي يرتبط بأمن الخليج، بدلاً من تكرار السوق الخاسر، وتسليم الغرب كل سلة البيض؟