الانتخابات الليبية أم إعادة تدوير الأزمة؟

الانتخابات الليبية أم إعادة تدوير الأزمة؟

22 نوفمبر 2021
+ الخط -

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في ليبيا، المزمع عقدها في 24 ديسمبر/ كانون الأول، تشهد البلاد تحرّكاتٍ وتحالفاتٍ سياسيةً على مختلف الأصعدة، فمنذ أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا فتح باب التقديم للانتخابات الرئاسية، من 8 إلى 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لا صوت يعلو على صوت الانتخابات والاستعداد لها، وهي الانتخابات الرئاسية التي تجري لأول مرة في تاريخ ليبيا، ويتطلع إليها الليبيون على أمل أن تُنهي عقداً من الحرب والفوضى والانقسام الذي عانت منه مؤسسات كثيرة مهمة في البلاد، وألقت بظلالها على كل مناحي الحياة. وقد أفضت تحركات سياسية واجتماعات ومشاورات وتحالفات طغت على المشهد الليبي إلى ترشح عدد من الشخصيات، بعضها متوقع، وكثير منها غير ذلك. ولعل تقدّم سيف الإسلام القذافي مترشّحاً يعتبر الحدث الأهم في هذه الانتخابات، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل ليبيا، وما يمكن أن يحدث إن فاز هذا الرجل، وموقف المجتمع الدولي من الأمر. لقد ظهر لشخصه، على عكس ما توقّع كثيرون اعتبروا أنه لن يتمكن من الترشّح، بعد أن اشترطت المفوضية العليا للانتخابات الحضور الشخصي للمترشّح إلى أحد الفروع الرئيسية للمفوضية (في طرابلس، سبها، بنغازي)، وأن سيف الإسلام لن يغامر بالذهاب إلى أيٍّ من هذه المدن، خصوصاً أنه مطلوب ومحكوم عليه غيابياً بالإعدام، إلا أنه فاجأ الجميع، ووصل إلى مقرّ المفوضية في سبها، في موكب ووسط حراسةٍ مشدّدة من جهةٍ لا تزال محلّ جدل، مع أن تسريباتٍ أفادت بأن كتيبة طارق بن زياد، التابعة للمتمرّد اللواء خليفة حفتر هي التي تولت هذه المهمة. وحفتر هو الشخصية الجدلية الأخرى التي تقدّمت بأوراق ترشحها في الانتخابات الرئاسية لفرع المفوضية في بنغازي، تقدم بها وهو مثقل بسجل من انتهاكات حقوق الإنسان. ويبدو أنه اقتنع، أخيراً، بأنه لن يستطيع حكم ليبيا بقوة السلاح، وبأنه لن يصل إلى كرسي الرئاسة بمساعدة المرتزقة الذين استجبلهم لذلك، الأمر الذي جعله يبدّل قناعاته، ويبدّل بزّته العسكرية التي طالما زينها بأوسمة ونياشين لمعارك قد يكون خاضها ويعرف معظم الليبيون نتائجها، ولعل آخرها معركته على العاصمة طرابلس، التي حشد لها كل الإمكانات، لتنتهي إلى أسرع عملية انسحاب في تاريخ الحروب، حيث انسحب أكثر من 300 كيلومتر في يوم واحد، ووصف ناطقه العسكري آنذاك ذلك الانسحاب بأنه تكتيكي.

شخصيات عديدة كانت محسوبةً على نظام القذافي تقدّمت بأوراقها للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حيث يبدو أن "التمثيل لم يعد تدجيلاً"

وقد قوبل ترشّح سيف القذافي وحفتر بردود فعل غاضبة، حيث أغلق سكان عديدون معترضون مراكز انتخابية في غرب البلاد في مدن الزاوية وغريان ومصراتة وزليتن والخمس، في وقت أعلن فيه رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، في اجتماعات متكرّرة مع النخب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، رفضه الموافقة على انتخاباتٍ سُمح فيها لمرتكبي الجرائم والمحرّضين عليها بالترشّح، مضيفاً أن أحدهم قد يتمكّن، بطريقة أو بأخرى، من الفوز، وبالتالي سيحكم ليبيا بدلاً من أن يكون داخل واحدٍ من سجونها. وانتقد المشري انفراد مجلس النواب بإصدار القوانين التي تنظم العملية الانتخابية، بالمخالفة لكل الاتفاقات السياسية، بما فيها ملتقى الحوار، والتي تنص جميعها على ضرورة التشاور بين المجلسين في صياغتها. ودعا المشري، في أكثر من لقاء، إلى ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات، والاعتصام أمام المفوضية وعدم السماح بتمرير هذه الانتخابات المعيبة، حسب وصفه. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، ملوحاً بالحرب، قائلاً إن "حفتر لن يكون رئيساً لليبياً، ولو على جثث الليبيين"، مؤكداً أنه "إذا حدث أن أصبح حفتر رئيساً لليبياً، فإن أبناء ليبيا، في مدن المنطقة الغربية ومحافظاتها، سيقاومون بالسلاح، ما سيدخل البلاد في حرب أهلية".
وفي السياق نفسه، ومع التقدّم للترشّح للانتخابات الرئاسية، عاد كثيرون من رموز نظام القذافي إلى ليبيا، وأعلنوا نيّتهم الترشّح، لعل أبرزهم بشير صالح، الذي عمل سكرتيراً للقذافي، ويوصف بأنه خزانة أموال القذافي المفقودة في أفريقيا. ومن القلائل، إن لم يكن الوحيد، المطّلع على حجم الأرصدة الليبية فيها، الأمر الذي رآه كثيرون سبباً في محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في مقرّ إقامته في جوهانسبورغ، عاصمة جنوب أفريقيا، حيث طرحت المحاولة فرضيات عديدة لضلوع جهات خارجية فيها، للتخلص منه في إطار مخطط للاستيلاء على أملاك ليبيا وأموالها في أفريقيا. شخصيات عديدة كانت محسوبةً على نظام القذافي تقدّمت بأوراقها للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حيث يبدو أن "التمثيل لم يعد تدجيلاً"، وأن "الحزبية لم تعد إجهاضاً للديمقراطية"، تلك المقولات التي فرضوها على الليبيين أكثر من أربعة عقود، بل وأُعدم كثيرون منهم لمخالفتهم هذه المقولات، فكان الانضمام إلى حزب أو الدعوة إلى انتخاب أو المطالبة بحرية رأي كفراً بواحاً بالنظرية العالمية الثالثة، وهي تهمة أوصلت محظوظين إلى غياهب السجون، وآخرين إلى حبل المشانق، ولم يشفع لهم شهر رمضان الكريم على تأجيل عقوبتهم، كما حدث في 1984.

قد يؤدّي إجراء الانتخابات، بطريقتها الحالية، إلى زيادة تعقيد الوضع وتفاقمه، وزيادة الهوة بين الأطراف السياسية

على كل حال، وعلى الرغم من انتظار أغلب الليبيين استحقاق الانتخابات، وتواصل الضغط الدولي من أجل تنظيم هذه الانتخابات في موعدها، إلا أن أغلب المؤشّرات تدفع إلى عدم الإفراط في التفاؤل، فالعراقيل موجودة أمام الحدث المنتظر، والطريق لن يكون مفروشاً بالورود، ونتائجها لن تكون الحل لكل المشكلات، بل على العكس، قد يؤدّي إجراء هذه الانتخابات، بطريقتها الحالية، إلى زيادة تعقيد الوضع وتفاقمه، وزيادة الهوة بين الأطراف السياسية، بل والأسوأ من ذلك قد تؤدّي نتائجها إلى التفكير من جديد في الأقاليم الثلاثة، إن لم يكن أكثر من ذلك، حيث يبدو أن من صاغ قانون الانتخابات وأشرف عليه وأخرجه محل الخلاف، والذي لا يزال مجلس النواب متشبثاً به، على الرغم من كل الانتقادات التي وجهت إليه، يبدو أنه لا يريد لهذه الانتخابات أن تحصل، وإن جرت ستكون عرضة للطعون، التي ستأخذ وقتاً ليس قصيراً، ولا سيما في ظل تعطيل المحكمة الدستورية.
وفي المحصلة، لن تكون الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية المرتقبة في ليبيا، والذهاب إلى صناديق الاقتراع، والتصويت، حتى وإن كان نزيهاً، حلاً سحرياً للأزمة الليبية، التي قد تزداد تعقيداً، بعدم قبول نتائج هذه الانتخابات، الأمر الذي يجعلها تسبّب تدوير الأزمة وإعادة إنتاجها بصور وأجسام جديدة. ولن يكتب لهذه الانتخابات النجاح وتحقيق الهدف المأمول منها إلا عبر قنوات التفاوض بين جميع الأطراف المتنازعة، ومن دون أي إقصاء لأي طرف تحت أي حجة أو ذريعة.