الاتفاق النووي وقدر المنطقة

الاتفاق النووي وقدر المنطقة

08 مايو 2022
+ الخط -

يبدو أن إنجاز الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران أصبح أبعد منالاً الآن، بعد أن توقف كل شيء عند نقطة الحرس الثوري الإيراني، وهو الذارع الخارجية لتنفيذ سياسات إيران الإقليمية في كسب الأتباع وزرع المليشيات الحليفة. وكانت إيران تصرّ على نزع صفة الإرهاب عن حرسها الثوري، ورفع كل العقوبات التي طبّقت بحقه، رغم أن كل تلك العقوبات لا تطاوله بشكل حاسم أو مؤثر، فيما تردّدت إدارة الرئيس جو بايدن، لما تعرفه عن سمعة في منتهى السوء لهذا الحرس في أروقة السياسة الأميركية. وقد أكد مجلس الشيوخ هذا الاتجاه، حين صوّت 16 سيناتوراً من الديمقراطيين، بالإضافة إلى جميع الأعضاء الجمهوريين تقريباً، ضد أي اتفاق مع إيران يزيل صفة الإرهاب عن الحرس الثوري. كما حثّ مجلس الشيوخ في الجلسة على أن يتضمّن أي اتفاق جديد مع إيران وضع الصواريخ الباليستية ودعم المليشيات تحت لائحة الإرهاب، وإبقاء كل العقوبات مطبقةً بحق الحرس الثوري. لم تستطع إدارة بايدن تجاهل مثل هذه النتيجة، خصوصاً أن عدداً لافتاً من السيناتورات الديمقراطيين ضمّوا أصواتهم إلى أصوات زملائهم الجمهوريين، فخرج المتحدّث باسم وزارة الخارجية ليقول إن هناك عدم تعيين كبيراً يخصّ محادثات الملفّ النووي، وهناك سيناريوهان: ألا يتم الاتفاق وألا يتم الاتفاق! تحاول إدارة بايدن في هذا التصريح أن تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد تجاوز التوقيع، بعد أن كانت جهود بايدن منصبّة على إنجازه في أسرع وقت ممكن، وقد مضى 15 شهراً منذ احتلاله البيت الأبيض من دون إنجاز ما كان يريده.

يرى أعضاء في مجلس الشيوخ أن البقاء من دون اتفاقٍ أفضل بكثير من اتفاق عام 2015، فيما يريد آخرون أن يحصلوا على اتفاقٍ لإبقاء المنشآت الإيرانية تحت المراقبة، وكبحها عند اللزوم، وقد تفلت إيران من المراقبة من دون اتفاقية، والعقوبات الكثيرة التي تطبق عليها لا تبدو قادرةً على تغيير سلوكها. وضمن هذين الرأيين تتأرجح الآن إدارة بايدن، رغم أنه ما زال يرغب في توقيع الاتفاق، ولكنه بات يقرّ بأن مواجهة إيران من دون اتفاقية أمرٌ واردٌ أيضاً. وفي ظل انقسامٍ كبيرٍ من هذا النوع قد يتمهّل بايدن في عقد الصفقة، وربما تطول فترة المفاوضات، حتى تأكل كل فترته الرئاسية الأولى. وعليه أن ينتظر الناخب الأميركي ليختاره مرة أخرى قبل أن يعاود الكرّة، لتصبح حالة المفاوضات هي السائدة، وكأنها قدر نهائي لوضع هذه المنطقة السياسي، إلا إذا عاد رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض، فقد يكون للملفّ الإيراني مصير من نوع مختلف.

عاشت إيران أوقاتاً صعبة، حين ألغى ترامب الاتفاق، فانخفضت قيمة عملتها عدة مرّات، كما وجدت إشكالاتٍ في بيع نفطها، وتراجعت عائداته بشدة في زمن إلغاء المعاهدة وتفعيل العقوبات ثم توسيعها، ولكن إيران عادت إلى بعض الأنشطة النووية التي كانت تمارسها قبل المعاهدة، وهدّدت بالمزيد، في محاولة استثارة الدول الأوروبية وروسيا شركاء المعاهدة. ومن الممكن أن يستمر هذا السلوك، وبشكل متصاعد، فيما لو توقفت جهود العودة إلى الاتفاق، وهو وضعٌ يمكن أن يوتر المنطقة بشكل أكبر، ويضعها على حافّةٍ ملتهبةٍ قد تفضي إلى تداخلاتٍ عسكريةٍ من إسرائيل أو حتى أميركا نفسها، للقيام بهجماتٍ على مواقع إيرانية، ولكن توقيع المعاهدة بتنازل ما يمكن أن يوقف نشاط إيران النووي مؤقتاً، وضمن حدود المعاهدة، ولكنه لن يوقف تدخلاتها الخارجية، بل من المرجّح أن يزيدها في بعض الدول، مما يقود إلى توتر في المنطقة من نوع جديد، قد يؤدّي إلى مواجهةٍ ناريةٍ بين أحلافٍ يمكن أن تتشكّل في منطقة الخليج وإيران.

المحزن أن التوتر على ما يبدو هو قدرٌ لهذه المنطقة، ولن تركن إلى الهدوء باتفاقٍ أو بغير اتفاق.