29 سبتمبر 2024
الإعلام العربي ضحية ومجرم
تراجعت الحريات الصحافية التي رصدتها تقارير عربية وعالمية، تشير إلى تصاعد قمع الإعلام وتكميم الأفواه في كل العالم العربي، وخصوصاً من حكومات ما بعد الثورات. لكن، الأخطر، والذي لم ترصده التقارير الصادرة في يوم حرية الصحافة العالمي، هو انحدار الإعلام العربي إلى آلة دعاية، لبث الذعر لفرض إرادة حكام، قدامى وجدد، في صراع قوى، تدفع ثمنه الشعوب بالدم والروح، يتطلب الاستهانة بحياة الانسان وآلامه.
الأمر غير مفاجئ؛ فقوى الثورة المضادة التي تتمسك بمصالح الفئات المُتَنفِّذة، إضافة إلى قوى جديدة، مدعومة خارجياً وداخلياً، لمنع استكمال الثورات، وإحكام سيطرتها على الثروات، لا تسمح بحريات إعلامية، مبنية على مصداقية المعلومة والأخلاق المهنية، بل لا تفهم سوى لغة السيطرة على الإعلام، وتطويعه لمصالحها.
المشهد الإعلامي العربي، في أسوأ تجلياته، أو بالأحرى انحطاطه، فمن محطات وصحف تستعمل الغطاء الديني المزيف، لاستنهاض الذعر الطائفي والديني، إلى أبواق خطاب فاشي، يقصي الآخر، ويلغيه باسم التقدم ومحاربة الظلامية، لكنهما وجهان لخطاب واحد، بهدف إجهاض ثورات الشعوب وتقدمها.
بعد أربعة أعوام على انطلاق الانتفاضات العربية، نرى أن الأنظمة القديمة، استعادت زمام المبادرة، بقوننة تقويض حرية التعبير، إلى حد تجريمها، والأنظمة الجديدة، التي تحمل في داخلها استمرارية أنظمة قديمة، تتفنن في القمع المباشر وغير المباشر، بل بالعكس، فهذه مصر، مثالاً، تتصرف وكأن الثورات أعطتها ضوءاً أخضر لزجّ الإعلاميين بالسجون، أو حتى تعذيبهم.
في سورية، حيث الصراع المستمر بدخول جماعات متعصبة، مدفوعة من حكومات خارجية، وضع الإعلاميين بين ظلم وبطش السلطة وإرهاب جماعات ركبت موجة الانتفاضة، من أجل تدميرها، ما جعل سورية من أخطر الأماكن للإعلاميين في العالم.
بروز هذه المجموعات بخطابها الإقصائي لا يمكن إلا أن يكون في جزء كبير منه مفتعلاً، فقد أعطت لكل الأنظمة القديمة الحجة للقمع، ولإسكات المعارضة، تحت "راية محاربة الإرهاب"، ولذا، أصبح الإعلام أهم وسيلة لزرع الخوف والتهيب لإخضاع الشعوب، ودفعها إلى قبول الظلم، حتى لا تواجه بديلاً أشد سوءاً من الموجود.
أي أن الإعلام لم يتراجع فقط، بل ازداد تواطؤاً في تشويش الحقائق والوعي، وإعادة إنتاج قيم السلطوية الأبوية بقوالب جديدة، من تقديسٍ للحاكم المنقذ، وترويج ضرب الحريات، السياسية والإعلامية، بدعوى استتباب "الأمن والأمان".
المواطن العربي، في أغلب الأحيان، يتلقى جرعات من التخويف، تشل العقل، وتزرع الحقد على أي "آخر" يهابه، فبدلاً من قيم من المساواة والعدل، أصبح بعض الإعلام يبرر الذبح والقتل، والالغاء، وكله مقصود، لأن نجاح الثورات يعتمد على التنوير، وإجهاض الثورات يشترط التجهيل.
لا شك أن استقبال الموطن العربي طوفان التحريض يدل على أن النظام العربي، بما يرافقه من ثقافةٍ سياسيةٍ ومجتمعية، نجح في ترسيخ قيم مشوهة، وما زالت راسخة، ولذا، كان من السهل نسبياً للقوى المسيطرة استخدام الإعلام للسيطرة على الرأي العام، مستغلة الخوف من الفوضى والانزلاق في حروب أهلية.
النتيجة أنه فيما يدفع إعلاميون ثمن تردّي حرية الصحافة، ينتفع إعلاميون، وهم كثر، من التواطؤ في لعبة قبيحة، ليس فيها مكان لأخلاق إنسانية، أو مهنية، أي أن الإعلام العربي ضحية ومجرم في الوقت نفسه.
نفهم إلى أي حدٍ يمكن أن يكون إعلامي مسكوناً بالخوف، نفهم أن يكون الإعلامي خائفاً على لقمة عيش أولاده ويستكين. لكن، لا نفهم أن يتعمد الإعلامي الكذب والتلفيق، لخدمة الأسياد، كلنا محكومون في داخلنا بآراء سياسية مختلفة، لكن، أن نرمي كل المعايير الإنسانية في سلة مهملات تغييب الضمير، فهذا هو الإجرام بذاته.
الأمر غير مفاجئ؛ فقوى الثورة المضادة التي تتمسك بمصالح الفئات المُتَنفِّذة، إضافة إلى قوى جديدة، مدعومة خارجياً وداخلياً، لمنع استكمال الثورات، وإحكام سيطرتها على الثروات، لا تسمح بحريات إعلامية، مبنية على مصداقية المعلومة والأخلاق المهنية، بل لا تفهم سوى لغة السيطرة على الإعلام، وتطويعه لمصالحها.
المشهد الإعلامي العربي، في أسوأ تجلياته، أو بالأحرى انحطاطه، فمن محطات وصحف تستعمل الغطاء الديني المزيف، لاستنهاض الذعر الطائفي والديني، إلى أبواق خطاب فاشي، يقصي الآخر، ويلغيه باسم التقدم ومحاربة الظلامية، لكنهما وجهان لخطاب واحد، بهدف إجهاض ثورات الشعوب وتقدمها.
بعد أربعة أعوام على انطلاق الانتفاضات العربية، نرى أن الأنظمة القديمة، استعادت زمام المبادرة، بقوننة تقويض حرية التعبير، إلى حد تجريمها، والأنظمة الجديدة، التي تحمل في داخلها استمرارية أنظمة قديمة، تتفنن في القمع المباشر وغير المباشر، بل بالعكس، فهذه مصر، مثالاً، تتصرف وكأن الثورات أعطتها ضوءاً أخضر لزجّ الإعلاميين بالسجون، أو حتى تعذيبهم.
في سورية، حيث الصراع المستمر بدخول جماعات متعصبة، مدفوعة من حكومات خارجية، وضع الإعلاميين بين ظلم وبطش السلطة وإرهاب جماعات ركبت موجة الانتفاضة، من أجل تدميرها، ما جعل سورية من أخطر الأماكن للإعلاميين في العالم.
بروز هذه المجموعات بخطابها الإقصائي لا يمكن إلا أن يكون في جزء كبير منه مفتعلاً، فقد أعطت لكل الأنظمة القديمة الحجة للقمع، ولإسكات المعارضة، تحت "راية محاربة الإرهاب"، ولذا، أصبح الإعلام أهم وسيلة لزرع الخوف والتهيب لإخضاع الشعوب، ودفعها إلى قبول الظلم، حتى لا تواجه بديلاً أشد سوءاً من الموجود.
أي أن الإعلام لم يتراجع فقط، بل ازداد تواطؤاً في تشويش الحقائق والوعي، وإعادة إنتاج قيم السلطوية الأبوية بقوالب جديدة، من تقديسٍ للحاكم المنقذ، وترويج ضرب الحريات، السياسية والإعلامية، بدعوى استتباب "الأمن والأمان".
المواطن العربي، في أغلب الأحيان، يتلقى جرعات من التخويف، تشل العقل، وتزرع الحقد على أي "آخر" يهابه، فبدلاً من قيم من المساواة والعدل، أصبح بعض الإعلام يبرر الذبح والقتل، والالغاء، وكله مقصود، لأن نجاح الثورات يعتمد على التنوير، وإجهاض الثورات يشترط التجهيل.
لا شك أن استقبال الموطن العربي طوفان التحريض يدل على أن النظام العربي، بما يرافقه من ثقافةٍ سياسيةٍ ومجتمعية، نجح في ترسيخ قيم مشوهة، وما زالت راسخة، ولذا، كان من السهل نسبياً للقوى المسيطرة استخدام الإعلام للسيطرة على الرأي العام، مستغلة الخوف من الفوضى والانزلاق في حروب أهلية.
النتيجة أنه فيما يدفع إعلاميون ثمن تردّي حرية الصحافة، ينتفع إعلاميون، وهم كثر، من التواطؤ في لعبة قبيحة، ليس فيها مكان لأخلاق إنسانية، أو مهنية، أي أن الإعلام العربي ضحية ومجرم في الوقت نفسه.
نفهم إلى أي حدٍ يمكن أن يكون إعلامي مسكوناً بالخوف، نفهم أن يكون الإعلامي خائفاً على لقمة عيش أولاده ويستكين. لكن، لا نفهم أن يتعمد الإعلامي الكذب والتلفيق، لخدمة الأسياد، كلنا محكومون في داخلنا بآراء سياسية مختلفة، لكن، أن نرمي كل المعايير الإنسانية في سلة مهملات تغييب الضمير، فهذا هو الإجرام بذاته.
مقالات أخرى
22 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024
08 سبتمبر 2024