الإدارات الأميركية والمشهد الإقليمي

الإدارات الأميركية والمشهد الإقليمي

01 نوفمبر 2020
+ الخط -

عندما يقول المسؤولون الأميركيون بعد كل انضمام جديد إلى قطار التطبيع مع إسرائيل إن هناك دولاً جديدة في الانتظار، فهم فعلياً لا يكذبون، إذ إننا أمام مشهد إقليمي جديد لن توقف تشكيله السريع إلا خسارة الرئيس دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية المقرّرة خلال اليومين المقبلين. الخسارة لن توقف هذا التعديل في المشهد، لكن قد تؤخره، فالاتفاق عام بين الجمهوريين والديمقراطيين على أن ما يحصل حالياً على صعيد علاقة الدول العربية مع إسرائيل هو ذروة ما كانت تريده كل الإدارات الأميركية منذ بدء ما يسمى "عمليات السلام" منذ السبعينيات، ولم يستطع أحد تحقيقه، على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت، وتحديداً في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، والذي ركز على القضية الجوهرية، أي العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن ثم سورية.

كلينتون في ذلك الوقت أحرز بعض التقدم، سيما حينما استطاع جمع وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع مع رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الحين إيهود باراك في منتجع واي ريفر في الولايات المتحدة، ومن ثم جمعه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع باراك أيضاً في كامب ديفيد. لم يكن الهم الأميركي أبداً متعلقاً بتأمين الحقوق العربية، وإعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل بقدر ما كان الهدف حماية أمن إسرائيل بالحد الأدنى من التنازلات، والتي كانت دولة الاحتلال مستعدة لتقديمها، على عكس ما هو عليه الوضع اليوم.

فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان صريحاً جداً بعد إعلان التطبيع مع السودان، حين قال إن ما تم التوصل إليه هو "سلام من منطلق القوة" و"سلام مقابل السلام"، وهي المعادلة الجديدة التي عمل عليها دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، منذ الحديث عن "صفقة القرن" وما سبقها وتلاها من اتصالات مع الدول العربية وأدت إلى افتتاح الإمارات باب التطبيع مع إسرائيل. مثل هذه المعادلة لن تكون حكراً على إدارة ترامب، بل ستصبح محور سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع بين الدول العربية وإسرائيل، بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض وإلى أي حزب ينتمي. ومن يظن أن الضغط الذي تمارسه إدارة ترامب للتطبيع مع إسرائيل سينتهي مع وصول المرشّح الديمقراطي جو بايدن، في حال نجاحه، إلى سدة الرئاسة الأميركية، هو مخطئ تماماً. إذ إن إعادة تشكيل المشهد الإقليمي حالياً هي نقطة مشتركة بقوة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وما قام به ترامب خلال السنة الأخيرة سيبني عليه الديمقراطيون لاحقاً، لكن بأسلوب مختلف. قد لا يكون مشهد التطبيع على هذه السرعة التي هو عليها الآن، وخصوصاً مع تسليط ترامب سيف العقوبات الاقتصادية على العديد من الدول العربية، وتحديداً ما يسمى "دول الطوق" مع إسرائيل، لكنه سيبقى قائماً بشكل أو بآخر، بالأسلوب الناعم الذي اعتادت عليه الإدارات الديمقراطية.

مشهد جلوس اللبنانيين مع الإسرائيليين للاتفاق على ترسيم الحدود كان واحداً من الأماني الأميركية سابقاً، والضغط الاقتصادي والعقوبات اللذان أديا إلى هذه المفاوضات غير مرتبطين فقط بإدارة دونالد ترامب، بل بسياسة أميركية جديدة كلياً في التعاطي مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي. ترامب فتح باباً لا يبدو أنه سيغلق قريباً، خصوصاً مع الحديث أيضاً عن احتمال انضمام سورية، بوساطة إماراتية، إلى هذا المشهد، وهو أمر غير بعيد إذا ما نظرنا إلى حاجة نظام الأسد إلى شرعية دولية، لن يؤمنها إلا حدث جلل على غرار "السلام" مع إسرائيل وفق المعادلة الجديدة.

نحن، لا شك، أمام مشهد إقليمي جديد قائم على معادلة ترامب، والتي ستكون أساس الإدارات الأميركية المتعاقبة، فالحديث عن "الأرض مقابل السلام" لم يعد له محل من الإعراب في السياسة الأميركية الجديدة، والتي ستأخذ أشكالاً متعددة لتطبيق مقولة نتنياهو "السلام مقابل السلام".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".