الأمير الصغير في لعبة العرش البريطاني

الأمير الصغير في لعبة العرش البريطاني

13 يناير 2023

كتاب مذكّرات الأمير هاري في مكتبة وسط لندن (10/1/2023/الأناضول)

+ الخط -

كتاب مذكّرات الأمير هاري هو الحدث الأبرز لبداية العام في بريطانيا التي أمضت أعياد الميلاد ورأس السنة في ظل حركة إضرابات غير معهودة منذ ثمانينيات القرن الماضي. ووجدت وسائل الإعلام مادّة غنية تنشغل بها وقتاً طويلاً، بعد أن عاشت طوال العام الماضي على فضائح رئيس الوزراء الأسبق، بوريس جونسون، وفشل خليفته ليز تراس، ووصول الهندوسي، ريشي سوناك، إلى رئاسة الحكومة في سابقةٍ تردّدت أصداؤها على المستوى الدولي، خصوصاً في القارّة الأوروبية التي لم تتجاوز كلياً مسألة اندماج مواطنيها المنحدرين من أصول أجنبية. وينصب التركيز الإعلامي على الأسرار التي جاءت في كتاب الأمير الصغير، وتخصّ علاقته مع والده الملك تشارلز الثالث، وشقيقه ولي العهد الأمير وليام، بالإضافة إلى موقف العائلة الرافض زواجه من الممثلة الأميركية السابقة ميغان لأسباب تحمل في طياتها نفَساً عُنصرياً، وهذا سبب تمرّده وانسحابه من مسرح العائلة الحافل بالتوترات والفضائح والتنافس على الإرث والامتيازات، وتخليه عن الألقاب الملكية، واختيار الإقامة في كندا، ومن ثم في ولاية كاليفورنيا الأميركية.

من السابق لأوانه التنبؤ بما يمكن أن يُحدثه هذا الكتاب من تأثير سلبي على الملكية، التي تعيش مرحلة حسّاسة بعد انتقال العرش من الملكة الأم إليزابيت الثانية، التي رحلت في الخريف الماضي، إلى نجلها تشارلز، والذي ينتظر حفل تتويجه الرسمي في مايو/ أيار المقبل. وهناك إجماع في الأوساط البريطانية على أنّه لن يمرّ مرور النسيم العليل على الملك وولي عهده، الذي يحظى بحصةٍ كبيرة من النقد والاتهامات من شقيقه الصغير، ولكن القدر الأكبر من الشظايا يصيب الأب مباشرة، سيما وأن الكتاب يفتح، لأول مرة، ملفّ العائلة من أحد أفرادها المباشرين، وينبش ملفات مغلقة عديدة، بدءاً من زواج تشارلز من الأميرة الراحلة ديانا وظروف مصرعها في حادث سير بباريس عام 1997، كما تنال قسطاً وافراً قضية زواج الأب من عشيقته كاميليا، التي أصبحت الملكة القرينة، ومعارضة الأمير هاري وشقيقه وليام ذلك. ولم يوفّر الكتاب العلاقة اللدودة بين هاري ووليام، ومن ذلك مسألة اعتداء الكبير على الصغير بالضرب في عام 2019، وهو ما جرى النظر إليه باستهجانٍ شديد، باعتباره تصرّفاً متهوراً، من الرجل كان يستعد لتولي المرتبة الثانية في عرش بريطانيا.

هناك خيط رفيع جدا بين الشأنين الخاص والعام في النظام الملكي، وهذا ما حاولت أن تشدّد عليه الملكة الراحلة، من خلال فرض نظام عائلي صارم للحفاظ على موقع النظام الملكي في حياة البريطانيين. وبالتالي، لن تقف الآثار المرتقبة لمذكرات هاري عند الشأن العائلي، وستتجاوزه إلى العام، حتى تلقي بظلالها على الملك وولي عهده، اللذين يستعدّان لتقديم نفسيهما للبريطانيين برؤية جديدة للنظام الملكي، تحمل تطويراتٍ تتماشى مع العصر، غير التي طبعت أسلوب الملكة الراحلة التي جلست على العرش في زمنٍ مختلف. ومن المؤكّد أنّ الملك وولي عهده لم يكونا بانتظار مفاجأةٍ كهذه في هذا التوقيت، كما أنه ليس في وسعهما لملمة الآثار، كما يحصل عادة داخل الأنظمة الملكية المغلقة على نفسها. وبالتالي، ستتأثر صورتا الرجلين على نحو سلبي، ما يوجّه الضربة الأولى للملكية من داخلها، وقد يدفعها ذلك إلى إحداث تغييراتٍ لاحتواء التداعيات وإصلاح الأضرار. وفي النهاية، يبدو أن ما كان صالحاً من أساليب ملكية لإدارة الشأنين، الخاص والعام، لن يكون، بالضرورة، قابلاً للحياة في ظل العهد الجديد، الذي بات عليه أن يتوقّع فتح بعض الملفات القديمة التي مرّ عليها أكثر من نصف قرن، ويعتبر كتاب الأمير هاري خرقاً قوياً لنظام البروتوكول العائلي الذي يحظُر نشر غسيل العائلة على السطوح.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد