Skip to main content
الأميرة مريم .. شخصية العام في العراق
عبد اللطيف السعدون
مريم الركابي المعروفة باسم الأميرة مريم

في سيناريو تراجيدي مفعم بالمرارة بامتياز، يتسلّل خلسةً شاب أهوج إلى منزل الفتاة البغدادية مريم (16 عاما)، ويقتحم غرفة نومها، تصحو وهي في لحظة رعب لم تعش مثلها من قبل، تصرُخ في مواجهة القادم الشرّير الذي يحدّق في وجهها بلؤم، ثم سرعان ما يقذفها بمادة "الأسيد" الحارقة، ويخرج غير مبالٍ بما فعله. تنهض مريم، تحتضن مرآتها لتكتشف أن وجهها وقد تمزّق وتشوّه، وأنها فقدت ما كانت تحلم به أية فتاةٍ في سنها، جمال الخلقة المدهش الذي أكسبها صفة "الأميرة" لدى قريناتها والمعجبين بها.

لا يعكس هذا السيناريو الواقعي الذي شهدته بغداد فعلا إجراميا فحسب. إنه أكثر من ذلك، يعرض صورة مأساوية عن الواقع الذي تعيشه نساء العراق في ظل حكم الأحزاب "الإسلاموية" الذي فرضته هيمنة إيران على المشهد السياسي العراقي، واقترانه بممارساتٍ منافيةٍ لأخلاقيات الدين ولحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ليس أقلها العنف الموجّه إلى النساء، والذي غالبا ما يأخذ أفعالا لا يكفي تصدّي القوى المدنية لفضحها، وإنما المطلوب إيجاد التشريعات القانونية التي تمنع حصولها وتجرّم مرتكبيها وتعاقبهم. وتشريعات كهذه لا تنال اهتمام القوى المتسيّدة، بل إنها ترفضها بشدة، وتقاوم إقرارها بضراوة. وهذا ما فعلته في غير مناسبة وحالة، فعلى مدار أكثر من عقد، وهذه القوى تسعى إلى تمرير تعديلاتٍ على قانون الأحوال الشخصية الذي شرّعته حكومة ثورة الرابع عشر من تموز قبل ستة عقود، والذي عزّز مكانة المرأة ودورها في بناء الأسرة وتربية الأطفال، إذ حاولت فرض شروط قاسية على الأم في حالة حضانتها أطفالها، ومنعها من الزواج طوال فترة حضانتها (سبع سنوات)، وهو أمرٌ لا تقرّه لا الشرائع ولا القوانين الإنسانية، كما سعت إلى شرعنة زواج الصغيرات والزواج المؤقت، والزواج القسري، وترويج العمل على إفلات المجرمين من العقاب في ما تسميها "جرائم الشرف" التي سجّلت ارتفاعا غير مسبوق. وكذا في اتساع نطاق حالات العنف الأسري، إذ رصد تقرير لإحدى منظمات المجتمع المدني تعرّض النساء للحرق والضرب المبرح من رجال أسرهن. وثمّة أيضا حالات اتجار بالنساء والأطفال على نحو لم يعرفه المجتمع العراقي من قبل. لا شيء رادع، آخر ما وصل إلى الكاتب، وهو بصدد كتابة هذه المقالة، خبر واقعة اغتصاب جديدة ضحيتها فتاة اسمُها حوراء (سبع سنوات)، بطلها منتسبٌ لجهة أمنية، وقد جرى تهريبه كي يفلت من العقاب!

تبقى مريم رمزا شاهدا على ما تتعرّض له المرأة العراقية من ظلم ومهانة، في ظل رجال الأحزاب الحاكمة الذين يرون في المرأة "مخلوقا" للمُتعة فحسب

ولكي لا نغرق في التفاصيل، نذكر أن واقعة "التنمّر" التي اقترفها الشاب الأهوج الذي رفضت الأميرة الجميلة، الصغيرة عمرا، الزواج منه، لأنها تريد إكمال دراستها، جاءت عن عمدٍ وسبق إصرار، ولم تكن استثناءً من ظاهرة استخدام العنف ضد النساء، وسلبهن أبسط حقوقهن على نحوٍ يرضي توجّهات القوى المسيطرة ورغباتها. اللافت هنا صمت نساء البرلمان المنحلّ، وكذا الفائزات في الانتخابات أخيرا، اللواتي يزعمن دفاعهن عن المرأة عن إدانة ما يحيق ببنات جلدتهن من ظلم ومهانة. ومضحكٌ حقا أن تسخر إحدى النائبات (يمكن استخدام كلمة نوائب هنا بمعنى مصائب)، في معرض إجابتها عن سبب تجاهلها ما تعرّضت له مريم، بأن البرلمان ليس في حالة انعقاد بعد!

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فلا بد من رفع القبعات للذين وقفوا مع مريم وساندوها، من منظمات مجتمع مدني وناشطين سياسيين وإعلاميين وروّاد مواقع تواصل. وتُذكر بالخير قناة الشرقية التي تبنّت علاج الأميرة الصغيرة خارج البلاد. كما نسجّل بالتقدير كل مشاعر الحب التي غمرت جماهير واسعة في العراق والعالم تجاه الأميرة الصغيرة، هذه الوقفات المؤثرة تجعل نساءنا يتطلعن إلى غد أفضل وأجمل ليس لهن فحسب، إنما لنساء العالم كله.

لافت صمت نساء البرلمان المنحلّ عما حدث لمريم، وكذا الفائزات في الانتخابات أخيرا، اللواتي يزعمن دفاعهن عن المرأة عن إدانة ما يحيق ببنات جلدتهن من ظلم ومهانة

هذا يدفعنا، وبكل حماس، إلى أن نرشّح الأميرة الجميلة إلى أن تتوج شخصية العام في العراق، كي تكون رمزا شاهدا على ما تتعرّض له المرأة العراقية من ظلم ومهانة، في ظل رجال الأحزاب الحاكمة الذين يرون في المرأة "مخلوقا" للمُتعة فحسب، لكنهم يحلّلون لأنفسهم نهب المال العام وسرقته، ويعتبرونه حقا خالصا لهم، ويحرّمون الغناء والموسيقى لأن "ثقافتنا إسلامية"، على حد تعبير أحدهم. وبعبارة عريضة، إنهم يمارسون شتى "الموبقات" من دون أن يرفّ لهم جفن.

صفقوا لمريم، إذن، اغمروها بالحب والحنان، وانتظروا عودتها من رحلة العلاج أجمل وأحلى مما كانت، انثروا الورد من أجلها وغنوا وارقصوا معها .. فهي أميرتكم الجميلة التي تستحقّ كل الحب وكل الاحتفاء، وكل الذكر الطيب.