الأزمة السودانية ... الأسئلة الرئيسية والاحتمالات المقلقة
ألقت أسئلة وتساؤلات جوهرية عديدة بظلال ثقيلة على الجلسة الحوارية التي جمعت السفير السوداني في الأردن، حسن سوار الذهب، مع فريق من السفارة، مع نخبة سياسية أردنية في معهد السياسة والمجتمع في عمّان الخميس الماضي، سواء ما تعلق بفهم الصراع وأسبابه ودلالاته أو تداعياته والمخاوف من أن يؤدّي إلى مزيد من الانقسامات في الجغرافيا السياسية السودانية.
أحد الأسئلة الرئيسية التي شغلت اهتمام النخبة الأردنية، وربما شريحة عريضة من الأردنيين والعرب، ممن يراقبون ما يحدُث في مواجهات عسكرية دامية هناك، يتمثل في تعريف الأزمة أو الصراع بصورة دقيقة؛ هل هو صراع بين قوات الجيش السوداني، وما تمثله من قيم الدولة والمؤسّسات الرسمية ومليشيات خارجة على القانون؟ أم هو صراع بين العسكر أنفسهم، على اعتبار أن الطرف الثاني، وهو محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كان نائب رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع التي يقودها تمثل جزءاً من المنظومة العسكرية السودانية؟
السؤال الثاني المطروح في التأطير السياسي للأزمة؛ فيما إذا كان صراعاً على السلطة فقط بين النخب العسكرية؛ وفي مثل هذه الحالة أين موقع القوى والنخب السياسية هناك؟ لماذا تبدو القوى السياسية العلمانية مؤيدة لحميدتي بينما القوى الإسلامية مؤيدة للجيش؟ وهل هذا يحمل في طيّاته أبعاداً أيديولوجية مبطّنة؟ أم هكذا أرادت بعض القوى السياسية أن يظهر؟
ثم ما هي حدود التداخل والتدخّل للعوامل الخارجية في المعركة؛ سواء على صعيد القوى العظمى، فيما إذا كان هنالك، كما تذهب تحليلات عربية، امتداد للصراع الدولي والأزمات بين الصين وروسيا والولايات المتحدة في الداخل السوداني، بخاصة ما يتعلق بالمصالح التجارية والاقتصادية، لما يزخر به السودان من ثرواتٍ هائلة، أم أنّ العامل الدولي محدود ومحايد إلى درجة كبيرة، بينما تذهب قراءات إلى أنّ الأميركيين أكثر ميلاً لقوات الردع السريع بينما الروس للجيش السوداني؟
أما إقليمياً، هنالك حمولة كبيرة من القراءات والتحليلات التي تربط ما يحدث في السودان بمصطلح "حرب الوكالة" بين دول عربية، في عملية اصطفافٍ مع أحد طرفي الصراع، بمعنى أن مساحات المواجهة بين الدول العربية انتقلت إلى الطرف الآخر؛ فهنالك حديثٌ عن علاقة قوات الدعم السريع مع الجنرال الليبي خليفة حفتر، بينما يقف الأتراك إلى جوار الجيش؟
السؤال المزعج والأكثر أهمية لأردنيين وعرب كثيرين يتمثّل في قصة العلاقة مع إسرائيل، التي تحظى، وفقاً للانطباعات السائدة، بعلاقات قوية مع الطرفين، بل لم تخف هي هذا الأمر عندما عرضت استضافة المفاوضات بينهما؛ فما هي الأسباب التي دفعت هذا البلد العربي، المعروف بنزوعه القومي والإسلامي، إلى التطبيع المفاجئ مع الإسرائيليين، بل أن تكون إسرائيل بهذا القرب الذي تتجرّأ فيه أن تعرض على الطرفين خدماتها في حل الأزمة؟
ثم تأتي الموجة الأخرى من الأسئلة والتساؤلات التي ترتبط بأبعاد الأزمة ومستوياتها؛ فيما إذا كانت تقف عند حدود المؤسّسة العسكرية والمليشيات على الطرف الثاني أم أنّ هنالك قواعد اجتماعية وجغرافية مرتبطة بها؟ أو امتدادات في الأوساط السياسية والأفكار والأيديولوجيا، وبالتالي الخشية من أن يكون هنالك أعمق بكثير مما يدور على السطح؟
وأخيراً الموجة الثالثة من الأسئلة والتساؤلات ترتبط بتداعيات الصراع واحتمالات المرحلة المقبلة؛ هل نحن أمام احتمال ممكن وواقعي للحسم العسكري للجيش أو حتى للطرف الآخر؟ أم أنّ هنالك احتمال أن تمتد الأزمة لتتحول إلى حرب داخلية طويلة المدى، كما يخشى كثيرون من العرب، ويتم استنزاف السودان في حربٍ لا طائل منها سوى هدر للدماء والأموال؟ وهل سيؤدّي انتصار أحد الطرفين إلى حكم عسكري للسودان في الفترة المقبلة؟ أم يحدث ما توقعه بعض الحضور أن يؤدّي الإنهاك من صراع العسكر إلى العودة إلى المسار السياسي والديمقراطية؟
لعلّ عنصر المفاجأة لأردنيين وعرب كثيرين أوجد كماً كبيراً من الأسئلة والهواجس وبواعث القلق، وما يزال المشهد السوداني مفتوحاً على احتمالات وشكوك عديدة بشأن المستقبل.