استنتاجات من يعقوب شاريت .. إسرائيل دولة مجرمة

استنتاجات من يعقوب شاريت .. إسرائيل دولة مجرمة

25 مايو 2022
+ الخط -

تشكل وفاة الصحافي والمترجم والشاعر الغنائي، يعقوب شاريت، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي الثاني، موشيه شاريت، يوم 19 أيار/ مايو الحالي، عن عمر 95 عامًا، بعد أربعة أيام من إحياء الذكرى الـ74 للنكبة الفلسطينية، حدثًا ذا دلالة ثنائية، فالمُتوَفَّى لم يقف، في آخر عقود حياته، عند آثار النكبة التدميرية على الشعب الفلسطيني فحسب، إنما أيضًا رأى تبعاتها السوداء، سواء بالنسبة إلى راهن إسرائيل وسكانها اليهود في العالم، أو بالنسبة إلى مستقبلهم.

قبل ثمانية أشهر من وفاته، نشرت صحيفة هآرتس ملخّص مقابلةٍ صوتيةٍ مسجلة مطولة معه أرادها أن تكون بمثابة وصيّة له، بعد أن عرّف نفسه في سياقها بأنه مناهضٌ للصهيونية، ومعارضٌ للهجرة اليهودية، ومشجّع للهجرة من إسرائيل. ومن أقواله فيها: دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني ولدا بالخطيئة. وهذه الخطيئة الأصلية ما انفكّت تلاحقنا إلى الآن وستظل تلاحقنا. ونحن ما زلنا نبرّرها، وينعكس ذلك في عنفٍ متعدّد الأنواع. نحن الآن على شفير هاوية. لقد بلغت من العمر عتيًّا، وأنا في وضع اقتصاديّ جيّد، ولكنني مذعورٌ من مستقبل أحفادي وأولادهم.

وعندما قال له السائل إن أوضاعه العامّة لا توحي بأنه يعاني الأمرّين، أجابه: أعرّف نفسي هنا بأني متعاون رغمًا عنّي مع دولة مجرمة. ما أزال أعيش هنا لأني في عمرٍ متقدّم جدًا، ولا يمكنني الانتقال إلى أي مكانٍ آخر. وهذا يبهظني كل يوم تقريبًا، مثلما يعذّبني الوعي بأن إسرائيل، في نهاية المطاف، هي ليست أكثر من دولة احتلالٍ تنكّل بشعب آخر.

يجدر أن نشير إلى أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تفجرّت في ديسمبر/ كانون الأول 1987 تركت بصمة واضحة على شاريت، كما على قطاعاتٍ أخرى في المجتمع الإسرائيلي، بالرغم من أنها تلاشت رويدًا رويدًا بعد ما تسمّى "عملية السلام" التي أفضت إليها، لأسبابٍ قد يطول شرحها. فبعد هذه الانتفاضة، أصدر شاريت كتابًا بعنوان "دولة إسرائيل من إنتاج ألتنويلاند لم تعد قائمة"، تنبّأ فيه بقرب موت المشروع الصهيوني، بسبب اعتماده المُطلق على الاحتلال والقمع.

وينبغي القول إن ما صدر عن شاريت، منذ ذلك الوقت، يشكّل، في التحصيل النهائي، ممارسةً ثقافية خارج مجال الخضوع للسياسة الإسرائيلية والإذعان للسردية الصهيونية. وهي ممارسة تتخذ لديه كما بين أمثاله منحيين متصلين: الأول، منحى قراءة الواقع الفلسطيني عبر رؤية مُتبصرة ووعي إزاء حقائق ترجع صدقيتها الأساس إلى أنها قائمة فعلًا. والثاني، منحى إعادة استقراء تاريخ الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وما زرعته من بذور سوءٍ تُعدّ مرجعًا ومتكأ لفهم التاريخ المعاصر، وللإطلالة على المستقبل، انطلاقًا من أن ما يحدُث مشدودٌ بكل قوّة إلى الماضي الذي لا يُعدّ، بحال من الأحوال، مجرّد ذكرى أو عبرة من تاريخٍ بعيد، إنما هو استمرار يتظاهر في الحاضر. وأي تراخٍ في هذا الشدّ إلى ذلك الماضي يجعل التاريخ يستنقع في حركيّة راكدة.

غير أن أهم ما ترتّب على المنحى الثاني هو إعادة التفكير بـ"فكرة إسرائيل" من طريق دحض رأي شائع يقول إنّ مشكلات الحركة الصهيونية بدأت مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في 1967، بموازاة توكيد الطابع الكولونيالي الإحلالي لهذه الحركة، وأنها وُلدت من رحمه، وبقي ملازمًا لها مثل ظلّها الذي يستحيل الافتراق عنه. وهذا هو ما تعيد إثباته يومًا، يومًا.

وفي مناسبة الذكرى الـ70 للنكبة عام 2018، استعاد شاريت، ضمن مقال رأي في "هآرتس"، قضية تشريد اللاجئين الفلسطينيين مُلمّحًا، بصريح العبارة، إلى أنه لا يجوز تغييب حق العودة لدى الحديث عن حلّها، حيث كتب أن ما حدث عام 1948 ليس في وسعه أن يجعل كل فلسطيني اقتلع من أرضه وشُرّد عنها أو هرب منها مؤقتًا، يسلّم بوضعه وبمكان سكنه الجديد، مثلما كانت حال أي لاجئين آخرين في التاريخ الحديث، على غرار اللاجئين من السويد وألمانيا والهند وبولندا وباكستان وغيرها.