اختبار فاشل للإعلام الأردني

اختبار فاشل للإعلام الأردني

09 ابريل 2021

أردني يطالع صحيفة الغد المحلية في عمّان (4/4/2021/فرانس برس)

+ الخط -

لأحداث الأردن في الأيام الماضية دلالاتٌ وارتداداتٌ سياسية عدة، كل مهتم يُمكنه مقاربة ما جرى داخل الأسرة المالكة بطرق مختلفة. تحضر أقلّ التفسيرات تشاؤماً، مثلما تبرز الأكثر تعقيداً، والتي لا ترى في التهدئة أكثر من احتواءٍ مؤقت، لن يطول قبل أن تتجدّد الأزمة، وإنْ بصورة مختلفة. ومعرفة كامل تفاصيل ما جرى منذ السبت الماضي قد تطول في ظل الرسالة المكتوبة التي وجهها الملك عبد الله الثاني إلى الأردنيين وما حملته من رسائل ضمنية، وحرب التسريبات التي لا يزال يخوضها أخوه غير الشقيق ولي العهد السابق، الأمير حمزة، حتى بعد الإعلان عن "التسوية".

ولكن بعيداً عن المقاربات السياسية للأزمة، كان لافتاً الأداء الإعلامي خلالها. لم يتمكّن الأردنيون، وباقي المتابعين حكماً، من الحصول على معلومةٍ واحدةٍ واضحةٍ ودقيقةٍ وحاسمة من وكالة الأنباء الأردنية "الحكومية) (بترا)، أو حتى وسائل الإعلام غير الرسمية في المملكة حتى قبل قرار حظر النشر. بل على العكس، منذ الساعات الأولى للقضية، كان التخبط والارتباك طاغياً في التعامل مع الحدث، بينما كانت المعلومات تخرج من صحف أجنبية. نالت "واشنطن بوست" السبق الأول بتأكيد وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية، حتى أنها فرضت على السلطات الخروج بتسريباتٍ للرد عليها، وإنْ كان لا يمكن إغفال أن الجزء الثاني من رواية الصحيفة الأميركية عن "مؤامرة انقلاب مزعومة ومعقدة" يمكن أن يكون موضع بحث. أما الأمير حمزة، فعندما قرّر مخاطبة الأردنيين سرّب تسجيله الصوتي بالإنكليزية إلى هيئة الإذاعة البريطاني "بي بي سي"، ثم بالعربية، ثم اختار، هو أو دائرته المقرّبة التي لا تزال خارج الاعتقال، استكمال مسار التسريبات عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ما دفع النائب العام إلى إصدار قرار حظر نشر، يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه سرعان ما اضطر إلى التخفيف منه، بعدما فشل في ترك أي أثر ترهيبي، خصوصاً أن موقع تويتر طغت عليه التغريدات بشأن القضية قبل القرار وبعده. وحتى عندما أراد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، التصريح بشأن التطورات، بعيداً عن حالة الارتباك التي بدت عليه خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده لشرح ملابسات القضية، خصوصاً أنه كان يقرأ ما طُلب منه قوله، لم يختر أي وسيلة محلية، بل تحدث إلى صحيفة وول ستريت الأميركية.

فشل الإعلام الأردني في اختبار تغطية الحدث، بأهميته، بعدما سار ضمن المسار المسموح له به فقط. لكن ما حدث ليس مستغرباً أو استثناء، سواء في الحالة الأردنية أو في باقي البلدان العربية.

تعكس حرية الإعلام حالة أي بلد. وبقدر ما اتسعت بقدر ما يمكن الحديث عن ديمقراطية موجودة. أما تقلّصها فهو دليل على مدى تجذّر الرقابة وتقييد الحريات. وفي الحالات العربية المتعدّدة، يبدو الأمر معكوساً، تخضع وسائل الإعلام لرقابة السلطات ولخطوطها الحمراء. وعوضاً عن أن تطرح الأسئلة الصعبة تكتفي بتقديم رواية السلطة، صحفاً ورقية كانت أو مواقع إخبارية إلكترونية. ولعل في ذلك الإجابة، لو جزئياً، على سبب صراع البقاء المرير الذي تخوضه وسائل الإعلام العربية على نحو أصعب من نظيراتها في دول عدة. يندر إيجاد قارئ عربي يدفع أموالاً من أجل الحصول على اشتراك في صحيفة أو موقع إخباري عربي، رغم الثمن الزهيد عادة. لكنه في المقابل لا يتردّد في دفع المال، لو مضاعفاً، لصحف ومواقع أجنبية. المسألة مرتبطة بغياب الثقة في الإعلام المحلي، وبقناعة، صحيحة على الأغلب، بأن دور هذا الإعلام يقتصر على مجرّد نقل روايات السلطات ومعلومات مجتزأة وخاضعة لمقصّ الرقيب الأمني والإعلامي.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات