احتقار الذات فوق قطعة ملابس تركية

احتقار الذات فوق قطعة ملابس تركية

06 يوليو 2022

إبداع بحروف عربية اعتذرت عنه الشركة التركية

+ الخط -

ما الذي يضير شخصا عربيا يعيش في تركيا أن يدعو عرب آخرون إلى مقاطعة شركة ملابس تركية مارست عنصرية مقرفة ضد العرب واللغة العربية؟ بل ما الذي يضير المواطن التركي الأصلي، أو المستحدَث، أو يضير الحكومة التركية نفسها، إذا ما قرّرت مجموعة من البشر أن تطلق حملةً للتنديد بممارسات عنصرية من شركة تركية، أو حتى من مجموعة من المتعصبين العنصريين هناك؟

علامات الاستفهام كثيرة، لكن قبل الاسترسال في الأسئلة دعني أوضح لك الحكاية: شركة إنتاج ملابس تركية، معروفة لدى جمهور الصناعة التركية في الدول العربية، عرضت على متجرها الإلكتروني قطعة ملابس للأطفال، حملت كلمات مكتوبة بحروف عربية بديعة، أضفت جمالًا على شكلها، الأمر الذي دفع متعصبين عنصريين أتراك إلى التنديد بالشركة وسبّها، وإبداء كراهية مريضة للغة العربية وللعرب، وسحب هذا المنتج .. هنا قرّرت الشركة حذف المنتج من موقعها الإلكتروني، رضوخًا للدعوات العنصرية البغيضة، ثم أصدرت بيانًا تعتذر فيه للسادة العنصريين المتعصبين ضد كل ما هو عربي، وتقول إن الإعلان نُشر على سبيل الخطأ، وأنه ليس موجّهًا إلى زبائنها في السوق التركية، وإنما للمستهلكين في الدول العربية.

استفزّ هذا الاعتذار الذي لا يقل عنصريةً عن كلام الزبائن العنصريين الأتراك تيارًا من العرب المقيمين في تركيا، وبالأخص من الأشقاء السوريين المثخنين بجراح ممارساتٍ عنصرية، من أفراد ومجموعات شوفينية، تصاعدت وتيرتها وحدّتها في الآونة الأخيرة، وأراقت دماء نازحين من وحشية نظام فوجدوا أنفسهم بين فكّي وحشية أفراد وجماعات في البلد الذي استضافهم، بقرار واعٍ واختيار سياسي وإنساني مدروس من سلطاته، واندمجوا فيه، وأسهموا في دعم سياسته واقتصاده وصورته الذهنية في الخارج، بوصفه بلدًا حاضنًا للمظلومين الفارّين من الاستبداد.

إلى هنا والقصة عادية، أو هكذا يُفترض، شركة مارست سلوكًا عنصريًا ضد جماعةٍ بشرية، هذه الجماعة عبّرت عن غضبها من الشركة، وقرّرت أن تعاقبها بأسلوب هادئ وبسيط من خلال الدعوة إلى مقاطعة منتجاتها، حتى تتراجع وتعتذر عما يرونها إساءة للغةٍ يعتز بها نحو ملياري إنسان، يؤمنون بكتاب الله المنزل باللغة العربية، منهم أكثر من خمسمائة مليون إنسان عربي.

إذن، المسألة محصورة بين مؤسّسة تجارية وجمهور من المستهلكين، وليست بين شعبٍ عربي والحكومة التركية، أو المجتمع التركي بشكل عام، وإنما، فقط، تجاه أصواتٍ متعصّبة تمارس عنصرية واستعلاء، لكن غير العادي، والمقرف إلى أقصى حد، أن ينبري بعض العرب من "المتأتركين حديثًا" للهجوم السفيه على أصحاب دعوة مقاطعة الشركة، واتهامهم بكراهية تركيا، وتنفيذ أجندات أعدائها وخصومها، ويصل السفه والحمق ببعضهم إلى أن يتهمهم بأنهم ينفذون مخططاتٍ صهيونية للإساءة إلى تركيا، أو بالحد الأدنى يثيرون الفتنة لضرب المصالح التركية العربية المشتركة.

هي الدونية الساحقة، أو قل هو الانسحاق الحضاري الذي يجعل شخصًا، حمل الجنسية التركية ربما من دون أن يتعلّم لغتها، يُنشب مخالبه في مهاجرين عرب، لأنهم تجرّأوا وغضبوا من أجل لغتهم، التي هي عنوان هويتهم الحضارية. وتزداد الصورة قتامة وعتامة، حين يجري تعيير السوريين، تحديدًا، بأنهم لاجئون ونازحون من نظام استبدادي لا يرحم، وبالتالي، ليس من حقهم الاعتراض على ما يرونه مسيئًا للغتهم.

أزعم إن هذه الإساءة العنصرية، من الشركة وجمهورها المتعصّب، ثم من الذين ارتدوا حديثًا قمصان العثمانية الجديدة، يجدُر أن تلفت انتباه السلطات التركية التي تسعى إلى تصدير صورة عن تركيا حليفة العرب وشقيقتهم، والذين يمثلون لها فضاء سياسيًا واقتصاديًا شديد الأهمية، إلى الحد الذي دفعها إلى الاستخدام الموسّع للدراما التركية المعرّبة، والإعلام الناطق بالعربية للوصول إلى العمق العربي.

أما بالنسبة للشركة، فإنها تستحق المقاطعة، ليس فقط لأنها عنصرية ضد اللغة الأرقى والأجمل، وإنما أيضًا لأنها فاقدةٌ الذوق الفني .. أنظر إلى الجماليات التي تضفيها الكلمات العربية المكتوبة بخط رائع على قطعة الملابس المعلن عنها، وقل لي أي مجنونٍ يهدر هذا الإبداع لدوافع عنصرية، ربما يرفضها أي تركيٍّ أصيل ومحترم؟

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا